كثيرا ما نحكم على الناس بالمظاهر، فلو أننا رأينا أمام أعيينا إنسانا يضحك سنبادر بالظن أنه في قمة السعادة، وربما كان هذا الإنسان الضاحك يعيش مأساة لا يعلمها إلا الله، والسيدة أم جميل التي نتحدث عنها اليوم كانت فنانة ترقص وتغني وتضحك كثيرا حتى ظن الناس أنها في غاية السعادة، وأم جميل عملت بالفن مع الموسيقار سيد درويش، ونالت شهرة عريضة وأصبح اسمها لامعا براقا، وكثيرا ما تقلبت في شبابها في نعيم الدنيا، ولكنها عانت كثيرا في أواخر عمرها وعاشت في ظلال الحزن والأسى والنسيان.
والسيدة أم جميل اسمها الحقيقى عائشة عبد العال واسمها الفني هو حياة صبري والذي اختاره لها هو الموسيقار سيد درويش، وهي من مواليد الإسكندرية وتركت أهلها وعمرها 14 عاما وعملت مع فرقة عكاشة المسرحية، ثم فرقة طلعت حرب فى تياترو الجنينة، وغنت في أوبريت هدى وعبد الرحمن الناصر، وفي عام 1918 التقت الموسيقار الشيخ سيد درويش في إحدى صالات شارع عماد الدين بالقاهرة.
وقد استطاعت حياة صبري أن تنال ثقة ورعاية سيد درويش الفنية، بل إنها ذكرت في حديث لها بأنها كانت ملهمته واعتبرت نفسها تلميذته، وقد لحن لها الموسيقار سيد درويش أوبريت شهر زاد وأوبريت الباروكة، وقدمها بالفرقة التي حملت اسمه، وكان هو يؤدى بنفسه دور الفتى الأول أمامها، وكانت هي الممثلة الأولى في فرقته التي اضطر إلى حلها بعد ذلك لعدم درايته الكافية بشئون إدارة الفرق والدعاية لها، وأيضا بسبب وجود مسرحه في منطقة يكثر فيها تواجد العساكر الأستراليين والإنجليز الذين كانوا يعتدون على الناس ويسرقون نقودهم، ولكل هذه الأسباب كان الإقبال ضعيفا على مسرحه وفرقته الخاصة، فاضطر إلى حلها وعاد إلى العمل مع الفرق الأخرى.
على قد الليل ما يطول & مسترضي بسهري ونوحي
في حبك ياللي من أول & ماشوفك تترد روحي
هذا الديالوج أرادت شركة أسطوانات أوديون أن يسجله الموسيقار سيد درويش مع منيرة المهدية أو فتحية أحمد أو نعيمة المصرية لأنهن كن أشهر من حياة صبري، إلا أن سيد درويش خاض مع الشركة معركة طويلة لكي تغني حياة صبري هذا اللحن معه، وقد سجلت حياة صبري الكثير من ألحان الشيخ سيد درويش على اسطوانات أوديون وبيضافون وميشيان، مثل: آن الأوان ويقطع فلان وعلى قد الليل ما يطول ويا مرحبا بك، وذلك في أوبريت “العشرة الطيبة” الذي تم تقديمه سنة 1920، كما سجلت من ألحانه: مين زيي مين أسعد مني، ووالله تستاهل يا قلبي، وعالنسوان يا سلام سلم، وآدي ست الكل، وذلك في أوبريت “راحت عليك” الذي تم تقديمه سنة 1920 وغيرها من الأغنيات.
وكانت المطربة حياة صبري من أكثر المطربات شعورا بفداحة وفاة الموسيقار سيد درويش في سبتمبر 1923، حيث كان يعد أكبر داعم لها، فقل حضورها وتألقها بعد وفاته رغم نجاحها في تكوين فرقة حملت اسمها وزارت بها الشام والعراق، واشتغلت على مسرح البوسفور وكازينو روض الفرج، وكانت تمثل وتغني أوبريتات سيد درويش فقط حتى أربعينيات القرن العشرين، ولكن لم تحقق الفرقة نجاحا يذكر، ومن المعروف أن الفنانة حياة صبري كانت قد قامت بأداء دور المعلمة في فيلم “أنا بنت ناس” من إخراج حسن الإمام عام 1951 وبطولة فاتن حمامة وزهرة العلا ومحسن سرحان ومحمود شكوكو وعبد العزيز خليل وحياة صبري.
وبعدما فشلت فرقتها في تحقيق أي نجاح هجرت الغناء وتزوجت من عمدة إحدى القرى أنجبت منه ابنها الطيار محمد جميل إبراهيم الذى استشهد سنة 1954، فزهدت الدنيا بعد وفاته وعاشت حياتها بين قبر ابنها الشهيد بمدافن الإمام وشقتها بشبرا حيث عرفت هناك باسم أم جميل، وتمر الأيام وتناساها الجميع بعد اعتزالها ولم يعد يسأل عنها أحد باستثناء الفنانة نجمة إبراهيم والكاتب كامل الشناوى والفنان عبد العزيز خليل الذين تولوا رعايتها ماديا ومعنويا، خاصة الفنان القدير عبد العزيز خليل وكان معروفا بأنه صديق الشيخ سيد درويش المقرب، وقد أكد الفنان عبدالعزيز خليل أن حياة صبري أو أم جميل لم تكن مجرد تلميذة للموسيقار سيد درويش بل تزوجت منه بعقد زواج عرفي وأنه كان أحد الشهود على ذلك العقد.
Discussion about this post