في قرية صغيرة تقع في ضواحي مدينة آسفي على ساحل المحيط الأطلسي، عاش صياد ماهر يُدعى حسن. كانت القرية هادئة، وأهلها يعيشون ببساطة وسلام. لكن في الليالي المظلمة، كان البحر يحمل أسرارًا قديمة ومخيفة.
لم يكن بعيدًا عن القرية، كانت هناك صخرة ضخمة تُعرف بـ”صخرة الجني”. اعتاد حسن أن يقضي لياليه بالصيد حول هذه الصخرة، غير مدرك لما يخفيه البحر العميق تحتها. كانت الأساطير تتحدث عن كائنات غامضة تعيش تحت الماء، لكن حسن كان ينظر إلى هذه القصص على أنها خرافات لا أساس لها من الصحة.
ذات ليلة، بينما كان حسن يصطاد، لاحظ ضوءًا غريبًا ينبعث من أعماق المحيط. تذكر القصص القديمة التي كانت تحكيها جدته عن مدينة تيغالين، المدينة الأسطورية التي غمرتها المياه منذ زمن بعيد. كان الفضول يعتمل في صدره، ولم يستطع مقاومة رغبة استكشاف هذا الضوء الغامض.
وتحكي أسطورة تيغالين عن مدينة زاهرة بحضارة متقدمة . كانت تيغالين، كما تقول الأسطورة، مدينة عظيمة غرقت في البحر بسبب غضب الآلهة. المدينة كانت تحمل سرًا مظلمًا، حيث كان سكانها يعبدون آلهة غريبة ويمارسون طقوسًا مروعة لاسترضائها. تحكي الأساطير عن حاكم مستبد يُدعى “فنكارث”، الذي استخدم السحر الأسود للحفاظ على قوته وسلطته.
في إحدى الليالي، في لحظة غضب من الآلهة، انفتحت السماء وانهالت الأمطار الغزيرة، وارتفعت أمواج المحيط لتغمر المدينة بأكملها. غرق السكان في الفوضى والرعب، وتحوَّلت تيغالين إلى مدينة أشباح تحت الماء، ترويها الأساطير ..
بدافع الفضول والشجاعة، قرر حسن أن يغوص لاستكشاف مصدر الضوء. غاص في المياه الباردة، وكلما تعمق، زاد الضوء إشعاعًا. وجد حسن كهفًا تحت الماء ينبض بطاقة غريبة. دخل الكهف بحذر ليجد مجموعة من الأرواح الهائمة تنتظره. كانت هذه الأرواح لأهل تيغالين الغارقة، الذين دُمرت مدينتهم بفعل الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات.
على جدران الكهف، كانت هناك نقوش قديمة تحكي عن لعنات وحكايات مأساوية، وتخبر عن حجر أزرق ضخم في عمق الكهف يحمل اللعنة. النقوش تظهر مشاهد مروعة لسكان المدينة وهم يقدمون تضحيات بشرية لآلهتهم. عندما اقترب حسن من الحجر، بدأت الأصوات تتحدث إليه، تطلب مساعدته في تحريرها. فجأة، شعر بألم شديد ودوار قوي، لكن الأصوات أكدت له أن عليه تحطيم الحجر لتحرير الأرواح.
جمع حسن كل قوته وضرب الحجر الأزرق بكل ما أوتي من قوة. انقسم الحجر، وانبعث منه ضوء ساطع، وتحررت الأرواح أخيرًا. شعر حسن بارتياح عظيم، وكأن عبئًا قد أزيح عن كاهله.
خرج حسن من الكهف بعد أن أتم مهمته. وعندما عاد إلى قريته، حمل معه قصة المدينة الغارقة والأرواح المحررة. أصبحت حكايته أسطورة تتناقلها الأجيال، وأصبح حسن بطلًا ليس فقط بسبب شجاعته، بل لأنه منح السلام لأرواح تيغالين. لكن رغم كل هذا، كان هناك شعور غامض يلازمه، كما لو أن شيئًا ما لا يزال غير مكتمل.
ومع مرور الوقت، كانت الهمسات التي تُسمع في الليالي المظلمة تذكيرًا دائمًا لأهل القرية بأن تيغالين وأرواحها قد وجدت أخيرًا الراحة والسلام. لكن حسن كان يعلم في أعماق قلبه أن تلك الأرواح لن تنسى ما حدث، وأنه ربما يأتي يوم يعود فيه شبح تيغالين ليطالب بالانتقام.
في يوم من الأيام، وبينما كان حسن يتأمل البحر من على شاطئ قريته، رأى ضوءًا آخر ينبعث من الأعماق. كان هذا الضوء مختلفًا، أكثر سطوعًا وأكثر قوة. شعور بالخطر كان يلوح في الأفق. هذه المرة، لم يكن حسن وحده في مغامرته. جمع أهل القرية وقرروا أن يواجهوا ما قد يأتي مع هذا الضوء الجديد.
تحت أمواج المحيط، كانت هناك أسرار أخرى لم تُكتشف بعد. مدينة تيغالين الغارقة كانت تستعد لتفتح أبوابها مرة أخرى، ليس فقط لتحرير الأرواح، بل ربما لكشف حقائق جديدة وتحديات لم يتوقعها أحد. أسطورة تيغالين لم تكن مجرد قصة تُروى، بل كانت حقيقة تنتظر من يستمع إليها ويفهمها بعمق.
هكذا، أصبحت قصة حسن وأسطورة تيغالين جزءًا من تاريخ القرية، ترويها الأجيال على ضوء القمر وفي ليالي الشتاء الباردة، تذكيرًا دائمًا بأن البحر يحتفظ بأسراره، وأن الشجاعة والفضول يمكن أن يقودا إلى اكتشافات مذهلة، وربما إلى مواجهات خطيرة.
بينما كان حسن يقف على الشاطئ، نظر إلى الأفق، وعرف أن مهمته لم تنته بعد. المستقبل كان يحمل مغامرات جديدة، وأسرارًا تنتظر من يكشفها، في أعماق المحيط الأطلسي حيث تظل تيغالين تلمع كجوهرة مفقودة، تنتظر من يعيد اكتشافها مرة أخرى.
Discussion about this post