بقلم د. (كمال العيّادي الكينغ)
مُعلّمنا في السّنة الأولى
كان إسمهُ: سي لبيبْ
كان طيّبًا
لكنّهُ لم يكُنْ لبيبْ…
في اليوم الأوّل مثلاً
ظلّ ساعة يعلّمنا أن نكذبْ
فصورة (كتاب)
يريدنا أن نقرأها:
(هذا كتابي)
وكان كلّ الفصل يردّد وراءهُ:
– (هذا كتابي)
ثمّ كان يستقرءنا واحدًا …واحدًا…
فلمّا يصل دوري
أنظر مليّا إلى الصّورة
وأقرأ ما أرى:
– (هذا كتابٌ)
وكان يُردّد
بصبر…
ونفاذ صبر….
ثمّ بغيظٍ:
– (هذا كتابي)
فأردّد:
– (هذا كتابٌ)
فيصرخ في وجهي مُحتقنًا:
– يا حمار: (هذا كتابي)
ويلتهب حلقي ووجهي وتعتريني رعدة
وأغرس وجهي ودموعي في الصّورة
وأقرأ :
– (هذا كتابٌ).
فيهمّ بي، لولا الجرس.
وينساني إذا كان الغد…
……
ويمضي الأسبُوع
لا يسألني
كان يقول عن (صورة أمّ)
(هذه أمّي)
فيُردّد فصل الحمير وراءهُ:
وبصوتٍ واثْقٍ:
– (هذه أمّي)
ويستقرءهم: واحدًا… واحدًا
كلّ واحدٍ كان يرى في الكتاب (صورة أمّ)
ليست أمّه والله…
ويقول عنها:
(هذه أمّي)
وحين يصل دوري
يحتقن وجهي وأبدأ في البُكاء
فيتركني … ويرنّ الجرس.
……
وأستمرّ الحالُ
يقولون عن (صورة القلم):
– (هذا قلمي)
وهو مجرّد قلم.
وعن صورة مدرسة:
– (هذه مدرستي)
وهي مجرّد صورة مدرسة
وعن صُورة الكرة:
– (هذه كُرتي)
وهي مجرّد صورة كُرة
وعن العَلَمِ:
– (هذا علم بلادي)
وهو مجرّد علَمٍ
……
……
حتّى كان الأسبوع الثّاني
دخلتُ الفصل مُستوفزًا
وحين قال المُعلّم
سي لبيبْ…
– إفتحوا الصّفحة الخامسة.
كنتُ أوّل من رفع إصبعيهِ معًا
– سيدي….سيدي أنا أقرأ.
باللهِ أنا سيدي…
نظر صوبي مستغربًا وقال:
– إقرأ .
قلتُ بثقة:
– (هذه جدّتي)
فابتسم
بل كاد يبكي وقال لي:
– الله ….الله…
أحسنت يا ولدي
فضحكت .
واعترتني أوّل رعدة حمّى الأدبِ
تلك التي لمْ تفارقني
حتّى اليوم
لقد شكرني المُعلّم يومها
ولم أكذب
كانت فعلا صورة (جدّتي)
ولكن، بصراحة
سي لبيب لم يكن لبيبْ….
لقد رسمتُ يوم الأحد
قبلها بيومٍ واحْدٍ
وشمًا
باللّون الأخضر
على وجهِها
وجه صورة الجدّة في الكتاب….
فعادت (جدّتي).
Discussion about this post