لروحي السلام رتّبّت موعدا مع نفسي. لم نلتق منذ واقعة الاشتباك الكبرى.
كان اللّقاء الأخير في جنائز الكلمات التي أقيمت على أرض خرساء.
جهّزت لها دعوة مختومة بالشّوق و اخترت لها ما يناسبها من الظّروف : ظرف الزّمان وظرف المكان… سوء الطّالع وسطوة القدر… ثم أرسلتها على جناح الاعتذار…
كانت نفسي توّاقة للسّفر إلى العوالم المحظورة و التّجوال في الممرّات الممنوعة. تركتها ترقص في ثنايا جسدي متى شاءت ولم تكن تعلم أن هواجسي تترصّدها في أوّل منعطف.
ذات صباح وردي ، لمحتها تعرج إلى اليسار عارية ، تحمل في عينيها حلما دافئا وعلى شفتيها نصّ الاعتراف…
يومها ، قضت هواجسي بسجنها و شدّ وثاق الشّعور.
ارتجف نبضي و صارت أوردتي معطوبة تتخثّر فيها الدّماء بصقيع الحسّ.
على رصيف الانتظار ، أخذت نفسا عميقا
أغمضت عيناي وكان اللّقاء…
كانت نفسي مجعّدة تكبر سنّي بعقود من التّيه و الشّتات…
كانت متورّمة المعصمين وتحمل في يدها باقة من الأحاسيس الجافّة…
ساءني ما أصابها من ضعف و وهن.
أتراه ذنبي أم بفعل القدر…؟
صرخت في وجه الزّمن علّه يتراجع سنوات إلى الوراء و يرمّم نفسي المنهكة…
أجابني معتذرا : لاجدوى من الصّراخ.
قدري أن أمرّ وقدرك أن ترسم لي الطّريق.
ناولني قلما لأسعف نفسي بالكلمات.
فككت أسر الكلام الذي كان عالقا بحلقي وكتبت :
انفصلت عنّي…
أفرغت منّي ثقل الأيّام…
لم أعد أرتق الماضي بخيوط الذّاكرة…
يولد الألم يتيما…
كان ابني بالتبنّي…
لم أعد أمّ الجراح…
حزمت الكتمان والنّهي والنّفي في حقيبة المهملات…
حان موعد الحياة…
رفعت الآذان في حسّي…
أخرجت منّي الرّفات…
نقلته إلى مدافن المشوّهين النّائمين في ازدحام تحت الرّكام…
Discussion about this post