متى يتركني،
هذا المضطهد الموشوم على ظهري،
كحمار الحرية الوحشي
إليه رميت أيّامي
وبفصوله استبدلتُ اشجاري
نسيت أوراقي تتساقط حين جاء موعدي
وكنت وحدي منعزلا وشاردا
أكلمُ ما تركه الجدار في ظلّي
قلتُ أترغبُ حقا بما خزّنه الرماد في قلبي؟
قال بلى..
لا تترك الغبار كثيفا تحت لسانك حين تعوي!
ولا تحيط أصابعك بإشارات لا تؤدي
سمّني ما شئتَ واكتب ما تراه
وبأنفك المعقوف شمّْ عطري وعفونةَ ما كان
هؤلاء أبنائي قرضوا السنين باسنانهم
وغلبوا التراب بسحنتهم وكانوا واضحين
امّا آبائي فكانوا غامضين بحياتهم
لم يعلمونني القفزَ كالنسناس
حتى حينما سألتهم عن الأعراق
لم يكشفوا لي عورتهم
واكتفوا بشقراء صافيةٍ كالزجاج
تمسح بالمنديل عتمتي دون ان تمنحني البياض
وهكذا وهبتُ للطرقات أقدامي
وصرت غامضا ومكروها ومطرودا
فتركتُ للمدن المُشيّدة فوق الموج اقدامي
وفجأة وبلا سابق إنذار رأيت الساحل قدامي
رأيته يلملم ثياب الناس والاسواق
وبعفويةٍ وبلا قصد سألتُ،
كيف لي ان اشهقَ المصير؟
ترى مَن اعطى الحقَّ لبائعٍ متجولٍ ،
ان يبيعَ طيرَ الحبّ معلّبا وملفوفا بالسيليفون؟
ومن خلال هذا السؤال،
عرفت بالهمس المقصود،
انك بلا قلبٍ وأنّك تقايضني بأعضائي
وبفطرتي تيقنتُ، أنّ صديقتي العنصرية لا تكذب
حينما أخبرتني ان تجار َ الذهبِ لا يبرقون
في الحقيقة لم يفاجئني هذا الرأي ولم يحيّرني
ان الذي فاجأني فعلا وحيّرني هي انقلاباتي على نفسي
كل المنتجين أصولهم فلامان وكل المستهلكين كذلك
كلّهم بلا استثناء يتحدثون بلغةٍ سوداء
عن الكسب السريع والسندويش السريع
يتحدثون عن التوابل المهرّبة بالأحذية الجديدة
كلهم بلا استثناء يستذوقون البطاطا المقلية
والقواقع المغليةِ بالنبيذ والمطاعم التركية
بينما يتركون نجمةَ دَاوُدَ بلا رقيب بيضاء,
صفراء, حمراء تلمع في الأزقة القديمة
أنا إليهم لم أبع قميصي، ولم أكن يوما عاريا
اكتفيت بذاتي لذاتي، اكتفيتُ بالبئر والإخوان
بينما تلك البائعة الشقراء،
عرضتْ على طاولة البيع،
عبدا لها كان يضاحعها في الظلام
يقال ان اجداده كانوا عتالينَ,
يموتون جوعا فوق خط الاستواء
هل هذه صورة حقيقيقة ام هي مجرد هلوسة؟
كيف لي ان أبرّرَ علاقتي بالهذيان،
وكيف لي ان اشرحَ نظرية التفوق لأولادي؟
نحن لم نكن سوى نحن
وهم لم يكونوا سوى هم
فمَنْ يستحق الوهجَ وحمرته؟
ومن يا ترى يستحقّ الجهات؟
صباغون نحن بالفطرة،
نرتدي جلوداً غير جلودنا
وبالفطرة أيضا
نرسم على الحيطان أصابعَنا المبتورة
نشتري برغبتنا الذهبَ المغشوش
ونبيع برغبتنا الدمَ والضميرَ للحيتان
هكذا نعزف نحن كالمحترفين على أوتار الضغينة
موسيقيون، كلنا موسيقيون
في كل مكان موسيقيون
في الجنوب، في الشمال
في الارض وفي السماء
موسيقيون
نتخاصم على العشاق في الليل
مثلما تتخاصم العصافير في الشجر
وفي النهار ننام تحت آلاتنا المستعارة
نستجدي أحلاما فائضةً عن حاجتنا ونرقص طربا
موسيقيون
كلّنا نعزف الجاز فوق البنايات
فمَن يستطيع أن يضبطَ ساعته
ومن يستطيع أن يهرّبَ الوقت بأوراق مزوّرة؟
القرنُ كلّه يرقص متبخترا باكتافه المكتنزة
متناسيا سرعة الرمي وأهداف الشظايا
متناسيا كل الحروب
الحروب هنا
لم تاخذ نصيبها من التلميع بما يكفي
لهذا، ولأسبابٍ أخرى..
كثيرا ما اتذكر بلادي
بلادي
لم تكن فقاعةً من رغوة صابون
لكنّ الدكّة التي غسلوا الموتى عليها
صارت بلادي
بلادي صابونة تتزحلق بحمام ٍعموميّ
وانا وحدي لم أتنفس الهيليوم في حياتي
ولم أطرْ
بقيت جهرا انتقد العراقيين
لأنهم يخبئون الاحلام في مؤخراتهم
وفي السرِّ لي حسرة على العراقيات
لماذا أغصّ كلما مررتُ بعطرِهن في الطرقات
يا أيها الموشوم على ظهري،
كحمار الحرية الوحشيّ
متى تعيد لي عقلي، وتُرجِعُ لي كفي؟
يا أيها الوحشيّ الجميل
متى تعيد لي قدمي؟
مرارا وتكرار ..
حاولتُ أن أكون بيضةً في حوضِ ماء
لكنّ الشهيقَ كان غبيا في مساماتي
تشنّج الهواء في رئتيّ
وتجمّد السّحاب في عينيّ
لم تكن ذاكرتي شحيحةً
لكنّ حكمتي عاقبتني بإفراطِ
علّمتني أن الانحسارَ شوكةٌ في الحلقِ
وأنّ الفقاعةَ في الدمِ لن تكونَ غيمة
———-
انتيخون في الأسطورة الفلامنكية هو القوي العملاق الذي كان يقطع يد كل من لا يدفع ضريبة الدخول للمدينة حتى ثار عليه الشعب الفلامنكي وأسقطه ثم قطع يده كما كان هو يفعل ورماها إلى البحر! يقال ان اسم مدينة أنتويرب جاء من ( hand werp) رمي اليد
بقلم
ماجد مطرود_ بلجيكا
Discussion about this post