وضع يعقوب رأسه على صدر حسناء واستظلّ كعادته بخيمة جدائلها.
سيّج كتفيها بيديه بعد أن رتّب الكلام على شفتيه وكأنّه سينطق باعترافاته لأوّل مرّة ويبوح بسرائر نفسه :
” كنت ضرير القلب ياحسناء فجئت وقذفت فيه قبسا من نور محيّاك…استيقظ الوتين وتدفّق نهر الدّماء في جسدي…”
شعرت حسناء بنبض يعقوب المتسارع يشقّ قلبها… تأمّلت وجهه و رمقت عينيه الرّطبة ونظراته التّائهة…
أردف يعقوب قائلا :
ضوء القمر ساطع…
صوت الموج يرتعش…
رياح التّغيير في الطّريق…
ردّد يعقوب قوله مرارا و استحضر في ذاكرته صديقه صالح ، شابّ في مقتبل العمر بارّ بوالديه ؛ استأجر المقام في وطنه إلى أن أدركه الموت في سقيفة بيته…
دعوات أمّه التي لم تدفع عنه الموت ، مهّدت طريقه إلى المقام الأمين…
” قد تتعدّد الأسباب والموت واحد ”
كان يعقوب ممزّقا بين عقيدة الانتماء
و التّوق إلى عالم ما وراء البحار…
أمامه رحلة الألف ميل لكي يلج العالم المدهش.
مع انبلاج فجر يوم جديد ، حشد يعقوب نبضه بعد أن وأد هواجسه في اليمّ…
” أليس الخوف أسوء مستشار للعقل”…؟ومتى كان العمر يتّسع لحلمين…؟
حرّك دفّة قاربه الصّغير وانطلق في رحلته…
ضوء القمر خافت…
زجير البحر يدوّي…
رياح التّغيير في الطّريق…
تكسّر الموج على صدر يعقوب ولفّه العشب والتّراب في وجل…
صلّى الحجر لأجله و سجدت الكائنات…
أخيرا ولج يعقوب العالم المدهش.
تسلّخ فؤاد حسناء و صارت كل يوم تشيّع روحها إلى يعقوب…لا مراسم خلفها ولا نعي.
اليوم ابتهجت روحها المنهكة وانتشت ، فقد تفتّح السّوسن على قبر يعقوب…
في القبور أرواح تشتاق…
أزهار السّوسن
بريد العشّاق…
بقلم الشاعرة والكاتبة
سلوى السوسي … تونس
Discussion about this post