تحدث عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الحديثة وقائد تيار الإصلاح والتجديد في المغرب العربي والشمال الافريقي، اننا نستنهض الفكر ونسنُّ الاقلام لترتقي صرح العلم وعنوان نهضتها عَلَم الامّة ورفعتها ..
قبل البدء في خوض غمار سيرة الشيخ العلاّمة ورائد النهضة والتعليم العالم الجهبذ ابن باديس لابد ان نعرج بلمحة مقتضبة عن اسمه ونسبه ومولده وبدايات تعليمه فهو العلاّمة الشيخ عبد الحميد بن باديس بن محمد المصطفى بن مكيّ بن باديس من اسرة عريقة اصيلة من خيرة قبائل البربر الا وهي قبيلة صنهاجة ، ولد عام 1889 م الموافق 1307 هـ ، في ولاية قسنطينة ويعود نسب اسرته الى مؤسس الدولة الصنهاجية المعزّ بن باديس الصنهاجي ، اسرته ذات حسب وجاه ونفوذ فقد شغل والده رئاسة بلدية قسنطينة اضافة كونه عضواً في المجلس الاعلى للجزائر ومندوبا ماليا ابان الاحتلال الفرنسي ..
تتلمذ الشيخ بن باديس في المدارس الدينية في قسنطينة ، وحفظ القرآن الكريم وهو في عمر 13 سنة ، ثم لم يلبث ان غادر الى تونس ليكمل تعليمه في جامعة الزيتونة عام 1908 حتى عام 1913 ، وتدرج ليحمل شهادة الاستاذية ويعمل بالتدريس في الجامعة ذاتها وفي المعهد الصادقي .. اتقن علوم اللغة والفقه والدين والتاريخ على يد مشايخه واساتذته امثال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، والشيخ محمد النخلي والشيخ حمدان الونيسي ، وكان لاساتذته النخلي والونيسي اثرهما البالغ في توجهه الفكري والاصلاحي والتعليمي ، لم يلبث الا وغادر الى المشرق وجزيرة العرب لاداء مناسك الحج ، وهناك التقى برفيق دربه الشيخ البشير الابراهيمي فكانت بداية العمل على وضع الاسس لقيادة النهضة الاصلاحية والتعليمية والفكرية القائمة على اسس الدين الاسلامي النقي ، اذ كان دائم البحث والعمل اعادة واحياء علوم الدين والحفاظ على الشخصية الثقافية العربية ونشر التعليم والتخلص من اثار محو الهوية في الجزائر والمغرب العربي ..وكان على اتصال مباشر وحثيث بقادة الفكر الاصلاحي والتيار القومي في كلّ من الحجاز ومصر والشام ..في فترة عصيبة بين الحربين العالميتين الاولى والثانية ..
انصبّ اهتمام الشيخ بن باديس على مرتكزين اساسيين في فكره الاصلاحي
الاول / الدين
من خلال اعتماد النهج الصحيح والعقيدة السليمة في الدين الاسلامي ومحاربة فرق الضلال ومبتدعة ما يناقض العقل والدين والشريعة والعقل القويم .
الثاني / اللغة العربية
وذلك من خلال العودة والتمسك بعربية اللغة ومحاربة سياسة الفرنسة بكل صورها واشكالها ومنها محاربة سياسة التمييز العنصري الذي مارسه الاستعمار الفرنسي والذي عُرفَ انذاك ب ( قانون الانديجينا ) وفرض الخدمة العسكرية الاجبارية على الجزائريين بعد ان كانت مقتصرة على الفرنسيين ، ناهيك عن السياسة العنصرية التي كانت تمارسها فرنسا وبمنتهى القسوة والبطش ، هذه الوضعية الخاصة للجزائر جعلته مهيئاً اكثر من اي وقت مضى للبدء باحداث التغيير واعادة امجاد الامة والعروبة فكانت اسهاماته عملية اكثر منها نظرية نتيجة تحليله العميق ورؤاه التي شخّصت مكامن الضعف ، فكانت بداية دعوته الاصلاحية والبعد السياسي والعمق الستراتيجي لاهمية العلم ونشر التعليم ،
يقول المستشرق الانكليزي Gibb في معرض تسجيل ابعاد هذه الحقيقة 🙁 نظمت في الجزائر جمعية علماء جزائريين لنشر مذهب المنار ) اشارة للحركة التصحيحية والعلمية التي قادها ابن باديس ، فقد عملت الجمعية على معارضة ومحاربة الشوائب التي طرأت على فرق الضلال التي تقوّض النهج الاسلامي القويم من جهة ، والى محاربة الجهل من خلال :
نشر مدارس اللغة العربية والدين الاسلامي في عموم البلاد وبعث النهضة الثقافية العربية بواسطة حركة التربية والتعليم التي نهض بها منذ باكورتها في الجامع الاخضر بقسنطينة ومدارس جمعية التربية والتعليم الاسلامية ومدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لمدة تزيد على ربع قرن من الزمان .
توظيف العمل الصحفي والاعلامي لخدمة حركة الجمعية ونشر افكارها النهضوية من خلال اصدار اول صحيفة اسماها ( المنتقد ) واعقبها بعد ذلك ب ( الشهاب ) ، ثم ( البصائر ) ، وكان ذو فكرٍ نافذ برؤاه البعيدة اذ لا يكفي النجاح وحده دون ديمومة النجاح واستمراريته ، فقد عمد الى انشاء وتامين مطبعة خاصة بالجمعية لنشر المطبوعات والكتب التربوية والتوعوية فكانت ( المطبعة الجزائرية الاسلامية ) التي اسسها في قسنطينة عام 1925 .
ولا غرو فقد كان من اوائل الذين ناضلوا عن عروبة الجزائر ودعا الى تطورها وتقدمها فقد قاوم دعاة الفرنسة والتجنيس مقاومة صلبة والمحافظة على الشخصية القومية المهددة بالذوبان في الكيان الفرنسي موظفا حركة التربية والتعليم النشيطة من عام 1913 ولغاية وفاته عام 1940 ، كما قاوم وبضراوة دعاة الاندماج والتجنيس ودعاة التغريب وانكار الشخصية الجزائرية وعمل جاهدا لتوجيه الجزائر وجهة عربية اسلامية تتفق مع تاريخها وجنسها وحضارتها عبر التاريخ ..
ذلك هو قائد النهضة العلمية ورائد الاصلاح والمعلم الجهبذ الشيخ عبد الحميد بن باديس علما يعانق السماء بواسع فكره وغزير علمه في تاريخ الجزائر والمغرب العربي والامة العربية جمعاء ، والذي نحتفي في مثل هذا اليوم من كلّ عام بيوم العلم في جزائر العروبة والمجد وعنوان فخر الامة العلاّمة العالم الجهبذ شيخ العلوم ومكتنزها وفارسها الهمام ابن باديس ..
بقلم
أ. لمياء بودوخة
Discussion about this post