من ريّان إلى دارين
الرسالة الأولى
٢٠٢٤/٣/٤
قرأت رسالتك في وقتٍ متأخر من الليل، بالتحديد قبل نومي. إلى الآن وأنا لم استوعب الأمر جيدًا، فكرة الرسالة، مغزى الرسالة، وكُلّ هذه الدهشة التي فيها! لا أُخفي عليكِ، أعدتُ قراءة الرسالة مرارًا؛ عسى أنْ أجد شيء يُدلّل على أنّ الرسالة ليست لي وأنّها سقطت سهوًا على حائطي. قبل قراءتي للرسالة، سألتُ نفسي مرارًا وتكرارًا: من دارين؟! فكرتُ كثيرًا، تفحصت دماغي جيّدًا، ذاكرتي ضعيفة في حفظ الاسماء، لا أثق بذاكرتي بخصوص الاسماء، إنما “دارين”! أظن أنَّ هذا الاسم لم يسبق أنْ صادفتهُ ولو بالخيال!
بدأت بقراءة الرسالة وأنا قلق جدًا، فُتِحَت نافذة قلبي من أوّل جُملة. تسللتْ الحروف كما تتسلل العصافير فجرًا من على شبابيك المنازل. وأنا أقرأ رسالتك تذكرت مقولة لأحد الفلاسفة، لا أحفظها بالنص، إنما يؤكد على أنَّ الإنسان سيواجه في واقعه أشخاصًا لم يكنْ ليعرفهم ولكن هو معروف لديهم، وهذه المقولة فاحت رائحتها البارحة؛ لأشتمها في كُلّ حرفٍ كُتبَ بأنامل قلبك يا دارين. أنا مبتسمٌ على الدوام، وحتى أثناء قراءتي لرسالتك، لم يُغلق فمي وأصابتني الدهشة! منبهرٌ أنا بهذا الألق ولا شك أنتِ بارعة في ترويض الحروف. أنتِ مشروع قاصّة وروائية يا دارين.
نعم يا دارين، أنا ريّان. أنا ابن اليمن. ولا شك نعم أنا في القاهرة، لكنْ هُناك أسئلة كثيرة تراودني. مثلا: ما سر هذه الرسالة؟ وكيف لفتاة مصرية أنْ تكتب رسالة كهذه لغريب يقتله القلق وخذلان الأوطان! أسئلة كثيرة يا دارين. تكلمتِ عن الإشتياق، عن الدهشة، عن الحلم والحقيقة، عن الغياب والحضور، الإضطراب والطُمأنينة، الرغبة وفقدانها.. كُلّ هذه المفردات تؤجج القلق فيّ!
الجملة الأخيرة في الرسالة تزيد من حدّة قلقي، ماذا تقصدين بأوّل الطريق؟ من أنتِ يا دارين؟ من أنا يا دارين؟ بعد هذه الرسالة، أكاد أفقدُ نفسي في شوارع وطنك. لا أُخفي عليك: اليوم وأنا أتمشى في شوارع القاهرة، رأيتُكِ في كُلّ الوجوه، رأيتكِ على ملامح كُلّ العابرين. رأيتك وأنا لم أعرفك بعد! من أنتِ يا دارين؟ من؟
أيمن سعيد
Discussion about this post