كتب … خطاب معوض خطاب
حكاية “أبو طُرْيَة”
ثورة أهالي نزلة الشوبك على الإنجليز في سنة 1919
مما يؤسف له أن تاريخ مصر الحقيقي لا يهتم به الكثيرون، وللأسف الشديد أن من ضحوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة من أجل مصر وحرية واستقلالها أصبحوا في طي النسيان ولم يعد يذكرهم أحد، فاليوم مثلا تحتفل محافظة الجيزة بعيدها القومي الذي يوافق يوم 31 مارس 1919، ولو توجهنا بالسؤال عن سبب اختيار هذا اليوم لاحتفال محافظة الجيزة به لوجدنا أن الكثيرين يجهلون السبب الذي جعل محافظة الجيزة تحتفل بهذا اليوم وتعتبره عيدها القومي.
وتبدأ الحكاية التي مر عليها 105 سنوات والثورة مشتعلة ضد قوات الإحتلال الإنجليزي في مصر كلها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها، بسبب نفي سعد زغلول باشا ورفاقه من مصر إلى مالطا، وفي يوم 30 مارس 1919 ثار أهالي قرية نزلة الشوبك التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة وقاموا بقطع قضبان السكك الحديدية وخلعها وإلقائها بترعة الإبراهيمية بعد علمهم بأن قطارا محملا بالجنود الإنجليز والعتاد لإخماد ثورة أهالي المنيا ضد الإنجليز سيمر بقريتهم.
وبالفعل اقترب القطار من محطة القرية لكنه توقف قبل دخول المحطة بعد أن علم قائد القطار بقطع الطريق، وهجم الأهالي بالفؤوس والعصي والبلط وكل ما طالته أيديهم على الجنود الإنجليز بالقطار فقتلوا منهم الكثيرين، -قيل إن قتلى الإنجليز بلغ عددهم 56 جنديا- مما أصابهم بالرغب، وكانت النتيجة أن هجمت قوات الإحتلال الإنجليزي على القرية، فأمطروا الأهالي بوابل من النيران، ولم يكتف جنود الإحتلال بذلك واستباحوا القرية نهبا وسلبا وحرقا للمنازل والحقول وحظائر المواشي ومخازن الغلال والمحاصيل الزراعية، واعتقلوا العشرات من شباب قرية نزلة الشوبك الذين كانوا يتصدون للدولة الإنجليز بالفؤوس والعصي، بينما كانت سيدات القرية تطلق أسرتي النحل تجاه قوات الإنجليز دفاعا عن أنفسهم.
واستمر هجوم جنود الإحتلال على القرية اليوم التالي ويوافق 31 مارس 1919 حيث اكتشف أهالي القرية أن الإنجليز قد دفنوا عددا من الأهالي لمنتصف أجسامهم بعدما نزعوا عنهم ثيابهم ثم أطلقوا عليهم النيران، كما قتلوا العديد من رجال ونساء وأطفال القرية التي ضربت أعظم الأمثلة في الجهاد والكفاح ضد المستعمر الغاصب، ووسط هجوم الإنجليز واستباحتهم منازل الأهالي البسطاء العزل تجلت أروع صور الفداء والبطولة من نساء القرية اللاتي فضلن الموت برصاص الإنجليز على أن يدنس الأعداء شرفهن.
وهكذا ضربت قرية نزلة الشوبك أروع الأمثلة في الشجاعة والصمود، واليوم إذا ذهب أحدنا إلى تلك القرية سيجد تمثالا بدائي الصنع يمثل فلاحا يرتدي الجلباب ويرفع فأسا ويطلق عليه أبو طُرْيَة أو أبو فأس، ويقال إنه يرمز لأحد فلاحي القرية قتل عددا من جنود الإنجليز بفأسه واسمه عبد التواب عبد المقصود موسى، وأسفل التمثال توجد لوحة شرف تسجل أسماء 21 من الشهداء من رجال ونساء القرية في هذه الأحداث التي قيل إن شهداءهم كانوا أكثر من 50 شهيدا.
تحية شكر وتقدير وعرفان بفضل ثورة وجهاد وكفاح وصمود وتضحية فلاحي وفلاحات قرية نزلة الشوبك في ذكرى اليوم الذي ضحوا فيه بأغلى ما يملكون من أجل مصر.
Discussion about this post