الكذب يشوهك
كن صادقاً أو صامتاً…
الكذب من أخطر رذائل الإنسان، وأعظم جرائم اللسان، ويكون إما بتزييف الحقائق جزئياً أو كلياً أو خلق روايات وأحداث جديدة، بنية وقصد الخداع أو حتى للمزاح لتحقيق هدف معين وقد يكون مادياً ونفسياً واجتماعياً، وهو مرض خطير يدمر العلاقات مع الآخرين، ومن ثم يضعف تماسك المجتمع.
وبين الزيف والحقيقة شعرة، ولا يفصل الحرام عن الحلال إلا ذرة ضمير، أين النفوس الأباة التي أنشدناها صغاراً وقتلناها كباراً؟ الكذب الذي غدا سلطان هذا الزمان عاث فساداً في الأفئدة والألباب.
من عبر الأسلاف نفائسٌ ثمينة تغنينا عن الجواب في حيرة الأنفس ومنها أنّ قريةً في الزمان الغابر توارث أهلها الكذب وشهادة الزور وحدث أن فتك الهوى بفؤاد إمرأة فعشقت رجلاً من سكان هذه القرية، ونال الغرام منهما منزلةً وأبى إلا أن يتزوجها ويظفر بجمالها فخطبها، وعقد قرانهما شيخٌ وندب الرجل شاهدين اثنين، وبعد أن مرت الأيام وبدا الرجل قاسياً غليظ الطبع لا يطاق في معشر ولا محشر استدركت المرأة نفسها بأن أخطأت الإختيار، فدبت الخلافات بينهما حتى طلقها.
فسارعت إلى القاضي تشتكي سلب حقوقها وبينت شرعية زواجها وذكرت اسمي الشاهدين ولما استدعى القاضي الرجل وشاهديه، التقط ثلاثتهم جمرة الحقيقة في حنجرته وكتم كل منهم لسانه عن الإفصاح بالحق، تلعثم الكذب واستحيا الشرف من سوئهم حيث أنكروا بكل صفاقة ما شهدوا عليه من فعل الرجل.
أشفق القاضي على المرأة وسألها أيملك زوجك الذي تزعمين كلاباً في المنزل؟
– نعم
– أتقبلين شهادة الكلاب؟
-نعم وما باليد حيلة.
خذوها أمام منزل الرجل فإن نبحت الكلاب بعد رؤيتها فهي غريبة عن الدار، وإن صمتت وألفتها فهي صاحبتها، ارتسم سواد القلب على وجوه الرجلين واكفهرت ملامحهم، فقال القاضي:إجلدوهم فإنهم يكذبون.
بئس القرى إن غدت كلابها أصدق من رجالها.
أ. د. معمر الهوارنة
Discussion about this post