قصيدة النثر ( وجهة نظر ) أم رؤية قاطعة ؟
نقاش قوي حول قصيدة النثر في الصالون الأدبي في المزة جرى مساء أمس و بحضور نخبة من المثقفين بينهم الدكتور محمدالحوراني رئيس الاتحاد العام للكتاب العرب … بالتأكيد الحوار الذي طال ساعتين و حضرت النصف الأخير منه كان واضح الرؤية و رغم ان الكثير كان يمكن أن يقال : الا ان الحديث لا يمكن أن يطول أكثر والنقاش حول هذه القضية يحتاج إلى وقت طويل و جلسات متعددة جدا.
لننطلق الى العمق في سؤال اساسي نتفق فيه جميعا و مع الاستاذ محمد عيسى صاحب دار بعل الذي كان أكبر المشاغبين في الحوار و قاطع الجميع.
قصيدة النثر او ما يسمى قصيدة النثر أصبحت واقعا في المشهد الثقافي العربي و الحوار حولها يحتاج إلى الكثير من المحبة و الصبر و الهدوء في قراءة منهجية الشعر و في هيكليته و في صبغته و ليس مجرد صراع في الحوار لإثبات وجهة نظر.
الشعر عند العرب و عند الأمم الاخرى له قواعد و منهجية لا تخفى على أحد و ما يفرق الشعر عن النثر عند العرب واضح وحتى في اطار الحديث عن الحداثة و الهيكلية و البناء الشعري و تطوراته فقد كان الأمر قديما قدم العباسيين و شعراء صدر الإسلام و عدي بن ربيعة الذي قيل انه اول من هلهل الشعر ذلك أن الشعر كان قبله و بعده فهو بحد ذاته حالة حداثة و المعلقات كانت حالة حداثة لما قبلها فالشعر ولد مع اللغة و الغناء و الحياة ولم يكن من اختراع بنات افكار الخليل بن أحمد سوى أن الرجل حاول قوننة المنهج فوضع البحور و قوننة المنهج و استكشاف الهيكلية هي وظيفة من وظائف الناقد الذي مارس دوره النابغة الذبياني في مقام آخر سبق فيه الفراهيدي فأثنى على ذلك و عاتب ذاك من الشعراء.
الحداثة لم تتوقف فكانت آراء ابو العتاهية و كانت أنماط الشعر تتغير و لكن تبقى هناك أسس واضحة لها لم يختلف عليها أحد.
و الحداثة اصلا هي في المقاصد و حداثة العقل المفكر و رسالة الشعر وليس فقط في شكلها.
من يكتب نثرا او شعرا عن جمل لا يراه و سيف غاب و نخل و اوهام سيبقى خارج الشعر والنثر و الحداثة معنى واسع لا يقتصر على الشكل و له ابعاد كثيرة ليس أوان الحديث عنها هنا.
لكن الشعر يبقى شعرا و النثر يبقى نثرا وكل الأمم اتفقت في لغاتها و آدابها على ذلك و ما قيل و سيقال عن قصيدة النثر او النص النثري في العربية قيل و سيقال في اللغات الاخرى و آدابها فالشعر كان و مازال له قواعده عند الأمم في كافة اللغات وهناك فارق بين أن نترجم الشعر و ندعي انه شعر عربي وان نلتزم الشعر في منهجه و هنا جاء مطب الهايكو و الأشكال الشعرية الجديدة التي لم ولن تنال شرعيتها لان الشعر عند العرب و كتاب العربية مستمر في منهجية الشعر المتفق عليها و تطوراته الشرعية.
الهايكو و أشكال الشعر العالمي مسارات و أصناف أدبية لها قواعدها و هيكليتها و مجرد مشابهتها في عدد الكلمات او المقصد لا يبرر انها هايكو و لا يمكن أن تكون هايكو عربي لان المصطلح اصلا خارج عن القانون و يحتاج إلى مؤتمرات فكرية للوصول إلى إجماع في توصيفه او الإرشاد إلى توصيفه وهذا ينطبق على كل شكل جديد في الشعر او حتى في النثر.
ان الجمال وحده لا يبرر نقل اللغة من النثرية إلى الشعرية و اللغة العالية التي نسميها شعرية في الرواية و القصة هي لغة عالية وجمال و إبداع و تبقى نثرا واذا كانت اللغة العالية مقياسا لمن يحاول تقييم الشعر بها فهذا يعني اساسا سقوط النثر تماما ويعتبر تنمرا على النثر و على كافة الأصناف الأدبية فيه وهي هامة و اساسية و تقارع الشعر في الاهمية والجمال و تتفوق عليه في مواضع كثيرة و الواقع الكبير يقول : أن الشاعر ليس اكثر اهمية من كاتب الناثر .
انه الجمال و انها الجملة الخالدة التي اتحدث كثيرا عن ضرورتها في النثر والشعر .. انها الجملة الخالدة الثابتة في الذاكرة هي ما يرفع الكاتب و الأديب و ليس الصفة الأدبية من شاعر و روائي و قاص و مسرحي و ناقد وحتى النص النقدي يقع تحت النقد في مضمونه و في سوية اللغة و سمو صورها في قدرتها على حمل المعاني.
اللغة جناح يحمل المعنى و من حمل الجمال وحلق يحق له التصفيق و من كان غير ذلك فليعتذر.
كثير من الذي قيل موزونا لم يكن الا نظما لا يستحق القراءة والسماع و كثير من الذي كتب نثرا في العصر الحديث وفي القديم كان رائعا و جميلا جدا و سيكون خالدا حال وصوله الى اسباب الخلود و هذا في الاساس ما أعطى من يحارب من أجل قصيدة النثر قوة في حديثه .. نعم انها ما كتبه انسي و ادونيس و درويش و رياض صالح الحسين و العظيم محمد الماغوط و غيرهم.. و ما قيل من قبل الاختين عائشة بريكات و إيمان موصللي و الاخ ماهر محمد محمد في أمسية الأمس كان جميلا ورائعا و لا يعطي احد الحق ان يُصادر جماله و قيمته العالية هذا هو القصد الاسمى في حياة الأديب ولا يعطينا الحق الشخصي أن نقول انه قصيدة او نص .
قصيدة النثر أصبحت موجودة رغما عنا جميعا و الازمة في المصطلح وليس في جمال النصوص.
اما ان نتهم الشعر بانه ضاق عن الصورة ففي قصائد الكثير من شعراء العصر ما يكفي لنقول ان الشعر خالد في مساره و مقاصده و لا تتوقف حداثته عندما نجمع على شرعيتها والى حينها يبقى من الأدب اجمله نثرا و شعرا فلنتسابق إلى الجمال و لنتحدث بهدوء لنصل إلى نتيجة و لا نبقى نتحدث و نتحدث و كل متمسك بوجهة نظره فتكون حوارتنا ماء مجففا لا يُنبت و لا يُظل و لا يُثمر.
سنصفق للجمال حيث يقال و دعوا التاريخ يضع تصنيفه كما وضع الخليل تصنيفه يوما و بقي قس بن ساعدة خطيب العرب و بقي عبدالمطلب سيد مكة في كلماته التاريخية و بقي و يبقى كلمات اهل الروح و تبقى كلمات معروف الكرخي و الجنيد و الحسن البصري و يبقى في الاذهان ابيات لجرير و ابي تمام و المتنبي و ابي العلاء و يبقى صاحب نهج البلاغة سلام الله عليه و السلام على كل رائد في قومه … الجمال يبقى … صفقوا للجمال.
وفي الجمال فليتنافس المتنافسون.
الفائز حقا من يُقال عنه يوماً: لقد كان جميلاً.
احبكم جميعا
بقلم الكاتب بكور كامل عاروب
Discussion about this post