صديقي العجوز…
كان دائما يرفع جفن واحد ، ليرمقني بنصف عين ، وعندما يتأكد من شخصيتي يخفضه ليعود للنوم… وكعادتي كنت اتجنب ازعاجه ، واحاول قدر الإمكان ركن سيارتي بمحاذاته لكي اصنع له ظلا يتمدد فيه ، حتى يحين موعد مغادرتي للعمل.
هذه المرة لم يخفض جفنه بل فاجاني بتوجيه كلامه إلي…هذا انت ؟
الم تتقاعد بعد فامثالك لا يلهثون خلف لقمة العيش ، بل يغطون في نوم عميق ، متدثرين ببطانية النمر ، مرتدين سراويل حمادة وطاقية صوف تصل حتى اذانهم ، ويذهبون أخر الشهر لسحب مرتباتهم .
امثالك ينعمون بتقاعد مريح ويقضون مابقى من اعمارهم متجولين ما بين عواصم العالم …
هممت بان اركله على مؤخرته ، واقول له حتى انت امثالك في الدول الاخرى يقدمون لهم الاكل الشهي ، وينعمون بالرعاية الطبية ،ويصطحبونهم كل مساء في جولات في الحدائق ، مابين الورود والزهور ، امثالك لا ينعتونهم بالكلاب الضالة ولا يطاردهم الصغار في الشوارع ، امثالك في العالم الاخر لهم غرف نوم واسماء ينادونهم بها ، هممت ان اقول له ذلك حتى يعلم اننا نعيش في نفس الظروف .
لكنني تذكرت انه مجرد حيوان اليف ، لايعدو كونه كلب وجد العطف والحنان لدينا ولقمة العيش السهلة فاحب ان يتعاطف معنا وان يشاركنا همومنا.
هذا الكلب هو ربما من الجيل الثالث من الكلاب التي اعتادت على العيش معنا منذ اربعين عاما ، فهذه المخلوقات لا تعمر طويلا،
فان لم تهلك من الشيوخة لن تنجو من بنادق الحرس البلدي او السم الذي يقدمونه لها مدسوسا في الدسم .
وقفت اكثر من مرة وانا اصعد السلالم المؤدية الى الدور الثالث حيث اداوم في عملي ، ارفع رجلي فوق درج السلم بتثاقل واضح ، وخطوة بطيئة ، ولولا حديد السلم الذي امسك به لكي اساعد جسدي على الصعود ماكنت لاستطيع الوصول .
اصل الى المكان المقصود ، القي بالتحية على من حضروا قبلي ، واحيانا اكتفي برفع يدي ففي قناعتي ان رد التحية واجب اما افشائها فيتوقف على حالتنا النفسية والمادية.
وكالعادة يبدا النقاش بالسؤال التقليدي شنو الجو ، ويكون الرد وكالعادة ايضا كساد لاجديد ، فإن كنت تسال عن المرتبات فامرها بيد الكبير ، وإن تقصد بشن الجو اسعار الدولار وامور البزنس فنحن لا تشغلنا سوى لقمة العيش واسعار السلعة.
وفي هذه الاثناء بدرت مني التفاتة نحو الكلاب التي تركتها نائمة بموقف السيارات ، فوجدتها قد استيقظت جميعها ، وتجمعت حول احد الاشخاص الذين اعتاد على جلب الطعام لها.
وما إن فرغت من تناول وجبتها الصباحية حتى عادت للنوم من جدبد .
وعلى الفور تذكرت ما قاله لي ذلك الكلب العجوز ، من ان امثالي يغطون في نوم عميق..ولولا مخافة ان اتهم بالخرف والجنون ، لناديته من الشرفة لاقول له بل امثالك من يغطون في نوم عميق ، ويكسبون رزقهم بايسر السبل ، فكل مايفعلونه هو هز ذيولهم وتملق الناس .
صرفت النظر عن امر التحدث إلى الكلب العجوز من الشرفة ، وقررت ان اذهب إليه لاقول له الكلام عن قرب .
نزلت مسرعا وكان اول ما فعلته هو ركله على مؤخرته ، وقد ازعجني انه لم يتحرك ، ركلته مرة اخرى ولم يتحرك ايضا…
كان المسكين قد مات فقد كان الطعام الذي قدم له مسموما.
بقلم امجاور اغريبيل
Discussion about this post