اذا كانت الفلسفة (فيلوصوفيا) هي محبة الحكمة Love of wisdome,فالاحساس بالجمال هو فلسفة فطرية متأ صّلة في أعماق النفس البشرية التي تمجّد الجمال وترنو اليه.
هذا الجمال الذي يشكّل مع قِيم الحق والخير ثلاثية ذهبية في الأكسيولوجيا والأنطولوجيا على حدٍ سواء ,والذي يخلق المبلغ الأكبر من التعاطف مع الموضوع الجميل,ويحتل حيّزاً مرموقاً في القلوب كمزيج من الشعور والعاطفة والعقل.
ولا غرو , فالجمال الطبيعي سيّما الأخضر الذي تزدان به الأشجار على ضفاف النهر الغزير وضمن اطار اللوحة التي نحن بصددها, هو سِمة الاطمئنان النفسي, ووفقاً لِما قال لورين ايزله:”ان الدماغ الانساني سريع التلف ,ولكن ما يلبث أن يستعيد نشاطه بفعل الطاقة التي تولّدها الورقة الخضراء.”
ونستحضر في السّياق عينه( حيث اللوحة الفنية تجسّد اللوحة الطبيعية) قولاً لصانع علم المنطق وصاحب كتاب ما بعد الطبيعة أرسطو والذي عرّف بأنها:” الفلسفة بأنها علم الوجود بما هو موجود,أمّا الفن فهو محاكاة للجمال“.
ولعلّنا نستشعر بما تقدّ مه الأيقونة الجميلة من لذّة جمالية عند تأمّلنا في حناياها ,ذلك أنّ ديالكتيك الجمال لا ينفصم عن الأنطولوجيا (عالم الوجود) وبشكل نسبي.
اذاً,تحوم ملائكة الاطمئنان ابّان الامعان في لجج النهر الغزير ,وتخبرنا (الملائكة) بغلبة السّلام على الحرب, وكأنّ في ذلك توطئة لرواية الطمأنينة ,حيث تستقي النفوس العطشى من المنهل العذب وتتأمّل بشغف عارم معالم السّحر في الأشجار الغضّة والمتموّجة باللونين الأخضر والذهبي في لدُن النهر لتنشد أغصانها أنغاماً صادحة في البهاء ولتملأ خلايا الروح بالرّقة.
وبالمُوازاة تسري المياه المتدفقة بين الصخور مرددة أغنية الألق ,فتزخر أعيننا المتأمّلة بسريان أمير الأنهار ,ونكاد نستنشق عطر النسمات الخريفية الفوّاحة من أوراق الأشجار المزدانة باللون الذهبي الأخّاذ.
نرمق شلالات الضوء وهي تسير الى حبيبها البحر بعيون يكحّلها الفرح,فتفرح أنفسنا بظلال الأشجار الطافحة بلون الشمس ,وكأننا في جزيرة قريبة من مطلع مركز الكون .
ونتأمّل في خلايا النهر وكأنّها القمر المضيء,ونسمع خرير المياه العذبة على ايقاع نبضات القلوب في قصر السّحر, فتصدح ازاءها عبارة ذهبية في أثلام ذاكرتنا للفيلسوف اليوناني ورائد الصيرورة
هيرقليطس: “نحن لا ننزل ماء النهر مرتين.”
فنغرق حينها في لُجج البهاء,حيث الجمال نصيب المتأملين وقسمة السامعين , ولنكتب على أديم المياه كل حروف الشقاء بأحرف من نار…
انّها قوة الجمال الجبّارة المنطوية على أسرار السّحر العارم المُمازج لسحر الأساطير في النهر الذي ينحدر من القرنة السوداء (أعلى قمم لبنان) …., ذلك أنّ القمر ينفَذ في الماء ولا يملك النهر تغييراً لمجراه.
وفي سِياق استقراء ماهيات الالوان الدافئة لحنايا أمير الأنهار ( نهر العاصي) العصيّ على الآلام,حيث يتوهّج الأصفر متماهياً بالبرتقالي ككتلة ضوئية ساطعة , ويتناثر ألق الأخضر على ضفاف نهر الجمال وكذلك ينسكب اللون الابيض المُتماهي مع اللون البلوري في الشلالات المتدفقة.
وفي الخلاصة, نغتني بحكمة ساطعة ألا وهي :ما أجمل أن نجدّف بقلوبنا في نهر التفاؤل لكي نحظى بأهميته (وجودنا) على الخريطة الزمكانية ,فالنهر كالزمان يعبر في سيرورة الوجود,ويسري معه كمّ الأحداث بتجدّد سرمدي.
Discussion about this post