* من قال أن الشهيد يموت؟!…
Your Content Goes Here
لم يكن قد مضى على إستشهاد، أخي أديب أكثر من شهر واحد، وأنا أراقب تلك الدموع التي تحجرت في مآقي أفراد عائلتي، المتجاسرة على مصابها، بشيء من القضاء والتسليم، وهي تخفي شيئاً من أنينها الصامت، عمن كان يراقب عيونها المحدقة في الأفق البعيد. ولم أكن أجهل ذاك السكون أو أتغافل عنه، وعمن كان يتربص بذاك الوالد وتلك الأم المسكينة، من ألم متفجع وجراح قاتلة، سكنت في أعماق نفوس كليهما. عندما توقفت تلك السيارة البيضاء أمام بيتنا، فترجل من كان بداخلها، ليخبروا تلك الوالدة الثكلى والجريحة، أن إخوتي نجدات وعباس، أي ولديها أيضآ، قد استشهدا وانقطعت أخبارهما معاً، وحتى حينه لم يكن يُعرف عنهما شيئاً. حينها لم أدرك معنى تلك الكلمات التي انسابت من بين شفاه الزائرين، وهم يخبرون أفراد عائلتي عما جاءوا لأجله، ولم أكن آنذاك مدركاً لما أسمعه، فالزمن ساعتذاك كان قد توقف لبرهة واستكان، إذ لعل ما قالوه كان حلماً لا أكثر، أو لعل ما قالوه لا صحة له. إلا أن ما قطع جدار صمت الحاضرين، كان صوت أمي، وهم في حالة من الذهول والهذيان…
وإذا كانت الأيام قد مضت،.. فالجراح تبقى جراحاً دامغة في الوجدان والأعماق، لا يمكن أن تصبح نسياً منسياً،.. ففي الأمس القريب سقط أخي الرابع، شهيداً، حسن وقضى إلى بارئه بهدوء، وأنا الذي كنت أسيراً له، في عزته وإباء نفسه،.. حتى بت اليوم أقلب ذاكرتي معهم جميعاً، فأحاكيهم بصمتي وأدرك أن الحياة بموتهم قاهرين. بقلم الشاعر أ. د. حسين علي الحاج حسن.
Discussion about this post