عندما يُخيم الليل وفقاً لآلية زمان وَمكان كل منّا على حدى حسب ما يزعم:
يُسدل الستائر..يُغلق الأنوار..يرتدي ملابس مريحة إيذاناً لعقله الباطني مجازاً بالثُبات..يدخل مرقده مُكرهاً..مُرغماً..منهمكاً بعدِّ طعناته،فقد حان وقت النوم لا مفر إذاً.
يفتعل كل الطقوس المواتية للسكون تماماً،وَلكن ها هو ذا قد رفع عن كاهله عناء يوم مرير لم يعبر بهذه السهولة كما يستقصيه العامة فقد أُستهلكتْ فيه قواه حد العدم..يُضيء جانبه المظلم بكلتا يديه اللتان ترتجفان برداً.
“أنا أكذب” بل خشية ليلة متعبة أخرى،وَ بال أضيق من خرم إبرة،فقد إعتاد برودة الأطراف حتى أنها تخللت نقي عظمه دون أن يشعر بها.
يدس تحت وسادته أوجاعه المهذبة..يُربت عليها برفق خوفاً عليها من إيقاظ آلامه الخفية،لتنتحب عجزاً “لا سبيل للعدول عنها إلا إليها”
تئن جوارحه هي الأخرى حتى تحشرج بصوت خافت:
لعل هذه الليلة تمضي دون خسائر إضافية..دون إقحامه بثرثرة مع نفسه لا تُحمد عُقباها.
مع بزوغ الفجر يرتدي وجهاً لا يُشبه قلبه..يُعد القهوة بصحبة فيروز..عذوبتهما ليس لديها الصلاحية في أن تُسكت مايصرخ في رأسه المثقل بأكاذيب العابرين،وَ لاتُخولها توأمة شجنه مغبة يوم شاقٍ آخر.
يخط إبتسامة صفراء بين مرّ وَ حباً..لا يقوَ على مجابهة فظاظة العالم الخارجي وَ فضوله سوى بإجهار أنه بأفضل حال مرجو..ليس لديه الطاقة على الإستفاضة بحوار حتى لو بدى للوهلة الأولى مهماً،وَ إستنزاف المزيد من المشادات الكلاميّة.
يستحضر من بين نصوصه..أبطالاً جُدد لم يخذلوه بعد.
يُقدم على إفساح الطريق لهم ليعبروه مسرعين دون أن يُحالفه الحظ،َولو لمرة يتيمة أن يكون لأيّ منهم نبض..يغفو خلف ضلوعه الآيلة للتهشم.
حسناً هذا أنا..
نحن متعبون من الداخل طوال اليوم..لكن في الليل نُجهز على لعنة التفكير المتواصل بأن نغمض قلوبنا عنه بإلحاف،وَليس أعيننا فحسب.
نقامر الليل أن يغادرنا بسلام..أن يُفلت بناصية ما قد أوصلنا لهذه الحالة الهستيرية من الحساسية المفرطة..نضع أمامه كل مانملك من شعور لطيف كقرابين،وَلكنه يأبى إلا أن يُلازم شغاف قلوبنا الصغيرة..تُعساً مقروناً بالحيرة!
لا يرحل دون أن يضع وصمة وجع وليد..ركائزه فجع قديم قديم..نتعايش مع رُهابه بشق الأنفس.
عنوة يُبقينا على قيده..سجناء اللحظة وَ أشقى !
بقلمي وَلستُ آسفة
ندى الجابر
Discussion about this post