الذكرى 169 لاستشهاد الشيخ بوبغلة قائد المقاومة بتاريخ 26 ديسمبر 1854
نبذة تاريخية عن حياة الشيخ …
يعتبر المقاوم الجزائري (محمد الأمجد بن عبد المالك)، الملقب بـ”الشريف بوبغلة”، من أبرز رموز المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي.
لقبته قوات الاحتلال الفرنسي بلقب “بوبغلة” استخفافاً بشأنه، فكان لقب “بوبغلة” لقب تشريف له لأنه استطاع بإمكانياته المتواضعة أن يذيقهم الويلات، وأن يلقنهم دروساً في البطولة قاسية مريرة لا تنسى، كما استطاع أن يُحوِّل أيامهم إلى أهوال ولياليهم إلى فزع وكوابيس.
سلكت قوات الاحتلال الفرنسي كل السبل للوقيعة بـ” الشريف بوبغلة” إلا أنهم لم يتمكنوا من القبض عليه إلا عن طريق الخيانة والعمالة حيث جندوا من أبناء الشعب الجزائري من يقوم بالقبض عليه وفصل رأسه عن جسده وهو حي.
أولاً: المولد والنشأة
ولد المناضل الجزائري (محمد الأمجد بن عبد المالك) الملقب بـ”الشريف بوبغلة” في عام 1810م بمنطقة “سعيدة” غرب الجزائر، وخاض ثورة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي في “جبال جرجرة” لمدة أربع سنوات حتى وفاته في 26 ديسمبر 1854م.
من لقبه يُمكننا القول أن (الشريف بوبغلة) من عائلة شريفة عريقة لها حظوة ومكانة كسائر الأشراف، وأنه كان حافظاً للقرآن الكريم وعلى دراية بالعلوم الشرعية، وهذا ما أهَّله للدعوة إلى الجهاد ومُراسلة مشايخ القرى والقبائل ورؤساء المناطق.
عُرف عن “الشريف بوبغلة” أنه لم يكن يميل إلى الاستقرار، فهو من بين الأبطال الذين استوطنوا سُروج خيولهم وجعلوا من ميادين المعارك التي خاضوها منازلاً لهم، وهذا ما جعل “الشريف بوبغلة” يتوسع في تحركاته لجمع الأتباع، ونشر دعوته للمقاومة والجهاد حتى وصلت إلى “منطقة بجاية”.
وعن الأساليب التي كان يستعملها لتحريض الأهالي ضد الاحتلال الفرنسي يقول الباحث “محفوظ قداش” في كتابه (جزائر الجزائريين)، بأن بوبغلة “كان يركِّز في خطبه على كُرْه الأجنبي والشعور بالاستقلال، وكان يُبهر مُناصريه بالتحكم في الخيل وهو مُحارب مُفرط الشجاعة، التحق به فرسان قدماء من جيش الأمير عبد القادر”.
ثانياً: نبذة عن مشوار نضال “الشريف بوبغلة” ضد الاحتلال الفرنسي
ورد في كتاب (تاريخ الجزائر المعاصر 1830-1989م)، بأن بوبغلة “أطلق ثورته من “بني مليكش” بجبال جرجرة وتمكّنت قواته من إحراز أولى انتصاراتها في مارس 1851م” اهـ.
عندما كثف “الشريف بوبغلة” من عمليات النضال والمقاومة ودارت حوله الشبهات من قِبل قوات الاحتلال الفرنسي قرَّر مغادرة منطقة “شلالة العذاورة” وانتقل إلى منطقة “قلعة بني عباس”، وهناك قام بالاتصال بشيوخ القبائل ومراسلة الشخصيات البارزة في المناطق المجاورة يدعوهم إلى الانضمام إليه لمحاربة المحتل الفرنسي.
عندما قامت شيوخ القبائل بتلبية طلب “الشريف بوبغلة” قاد عدة معارك ضد قوات الاحتلال الفرنسي منها “معركة أوزلاقن” التي كانت في شهر يونيو من عام 1851م حيث اصطدم بقوات العقيد الفرنسي (دي ونجي) وأعوانه وقتل خلال تلك المعركة عدداً كبيراً من الطرفين.
وفي نفس العام، قام “الشريف بوبغلة” بترتيب صفوفه والعمل على زيادة أتباعه وتحديد أولوياته، وكان في قمة أولوياته:-
– تحديد الشخصيات الموالية للاحتلال الفرنسي وكيفية التعامل معهم.
– تحديد الضباط الفرنسيين الذين يجب التخلص منهم.
– تحديد المراكز العسكرية لجنود الاحتلال الفرنسي وكيفية اختراقها.
– تحديد المناطق الاستراتيجية التي يمكن الالتجاء إليها إذا اقتضت الضرورة.
– تحريض وتعبئة مختلف القبائل للانضمام إليه عندما يأمرهم بذلك.
بعد أن استكمل “الشريف بوبغلة” جميع الاستعدادات أعلن الهجوم على (عزيب بن علي شريف) في منطقة “شلاطة”، حيث كان من المتعاونين مع قوات الاحتلال الفرنسي ضد قوات المقاومة الشعبية الجزائرية.
قامت القوات الفرنسية بتكثيف تواجدها في المنطقة ووقعت مصادمات بين قوات “الشريف بوبغلة” وقوات الاحتلال الفرنسي مما اضطر “الشريف بوبغلة” إلى التراجع نحو قرية “إيبوزيدين” بمنطقة “مليكيش”، ومنها إلى “بني صدقاء” شمال منطقة جرجرة ثم إلى الجهة الساحلية، وفي كل مرة يقوم “الشريف بوبغلة” بشن غارات ضد قوات الاحتلال الفرنسي تربك صفوفهم وتفقد قادتهم صوابهم، مما اضطر قادة الاحتلال الفرنسي إلى إعداد قوة مكونة من نحو 3 آلاف من المشاة الفرنسيين تمكنت من إلحاق خسائر في صفوف “الشريف بوبغلة”.
وفي واحدة من المواجهات التي قام بها “الشريف بوبغلة” اصطدم بقوات “بوبريط” عند منطقة الواضية في 19 يونيو 1852م أصيب خلالها بجروح في رأسه، وبالرغم من ذلك واصل أتباعه المقاومة.
في الفترة من عام 1851-1857م كانت قمة المواجهات بين قوات المقاومة الشعبية وقوات الاحتلال الفرنسي حيث قامت السلطات الفرنسية بإرسال عدة حملات إلى أماكن تمركز “الشريف بوبغله” ومن معه من المناضلين، كما قامت بإرسال حملات أخرى لتأديب القرى والمناطق المؤيدة لـ “الشريف بوبغلة” والداعمة له مثل “عزازقة” وقبيلة “بني جناد” والقبائل الأخرى التي تقع على الضفة اليمنى لـ “سباو”، وكان الهدف الأساسي لقوات الاحتلال الفرنسي هو إخضاع منطقة جرجرة، وقبيلة بني جناد تحديداً.
كانت حملات الاحتلال الفرنسي يقودها كبار القادة الفرنسيين والجنرالات أمثال (وولف- كامو- ماكماهون- راندون- ميسات- بوبريط… وغيرهم).
استمرت المواجهات بين قوات المقاومة والقوات الفرنسية حوالي 40 يوماً تكبدت خلالها قوات الاحتلال الفرنسي مقتل 94 جندي وجرح 593 آخرين حسب المصادر الفرنسية التي لم تشر إلى الخسائر التي وقعت في صفوف المقاومين الجزائريين.
بعد أن قامت قوات الاحتلال الفرنسي بتكثيف حملاتها ضد “الشريف بوبغلة” ورجال المقاومة اضطر “الشريف بوبغلة” إلى مغادرة “مليكش” المنطقة الجنوبية لولاية “تيزي” حيث التقى مع المناضلة العابدة الزاهدة “لاله فاطمة نسومر”، وقام بتنظيم صفوفه وإحكام خطته لمواجهة قوات الاحتلال الفرنسي من جديد.
Discussion about this post