هزيمة الإنتحار … في لوحة زنابق الماء للرسّام العالمي كلود مونييه
بقلم الدكتورة بهيّة أحمد الطشم
يُوقظ شعاع مركز الكون (الشمس) عيون الزنابق المنغرسة عشقاً على أديم المياه ,حيث يرسم منظراً خلاّباً يُحاكي السّحر الأسطوري.
ولا غرابة بـأن يتماهى الجمال بعناصر الطبيعة (الأم الحاضنة لوجود الانسان) سيّما وأن الماء هو أحد الأسطقسات الاربعة في الوجود(الماء,الهواء, التربة,النار).
وفي الاطار عينه ينسجم قول أينشتاين ( العالم الفيزيائي الحاصل على جائزة نوبل) :”تأمّل في الطبيعة تفهم كل شيء.”,حيث تصطاد العين الجمال في موطن الرسّامين ,الشعراء,الفلاسفة والمخترعين من نيوتن الى ديكارت,كانط ,جبران خليل جبران وغيرهم .
ولعلّنا نقارب في الأيقونة التي نحن بصددها(زنابق الماء) للرسّام العالمي كلود مونييه هزيمة الانتحار (العدوّ المتربّص بكل نفسٍ بشرية,), حيث تغلّب رائد المدرسة الانطباعية على رغبته بالانتحار مرات عديدة بعدما انتابته كآبة عارمة بسبب الفقر المُدقع ,كذلك بسبب عجز قدرته البصرية عن رؤية الألوان الزاهية.
لقد شكّلت لوحة عاشق الطبيعة وصاحب الريشة الماسية الدواء الأنجع ضدّ الكآبة التي انتابت الفنان المُرهف,اذ أسبغ على أيقونته كل الألوان المشرقة.
اذاً, لقد حرّك حُب الطبيعة ريشة الرسّام لتجسيد الزهور والزنابق في مرتع الحُب,ولعلّنا نستذكر بهذا المجال كيفية انتصار الفيلسوف فرفوريوس على الانتحار بعدما نصحه أستاذه أفلوطين بالسفر الى مكان طبيعي جميل وضرورة الاسترخاء في أحضان الطبيعة.
وبالفعل بعد مرور فترة شهرين من الزمن ,فقد استطاع المفكر الاستثنائي فرفوريوس من التخلّص كلياً من رغبة الانتحار.
والجدير بالاشارة هو قول لورين ايزله أحد أبرز الفلاسفة الايكولوجيين :”الدماغ الانساني سريع التلف,ولكنه سرعان ما يستعيد نشاطه بفعل الورقة الخضراء,”أي الأشجار.
وبالعودة الى الأيقونة,وفي سياق استقراء فلسفة الألوان التي تزدان بها اللوحة :
يُحاكي اللون الأخضر لدُن التفاؤل ويتراقص على ايقاع حفيف الأعشاب,ويتناثر الأبيض ألقاً في أرجاء اللوحة.
ويعكس اللون الأزرق الصّفاء المنشود لخلايا الروح المُنهكة,ويتماهى اللون الأحمر بمعالم الطمأنينة,أمّا الأصفر فهو بمثابة ملاذ للنفوس الهاربة من صخب العالم وأوجاعه.
ويُخيّل الينا بأنّ اللون الزّهري في نجمات اللوحة ( الأزهار) وكأنّه ثوب النور المتناغم مع ربيع الحياة.
وفي الختام, لقد أبدعت ريشة كلود مونييه بهندسة الخطوط والألوان في لوحة فنية رائعة تُحاكي سِحر الطبيعة (مرتع الحُب) وملاذ القلوب المُرهقة من أشواك العالم.
Discussion about this post