بقلم الدكتورة … عايدة قزحيّا
في القيادة عبادة …
امرأة أنثويّة الملامح رجوليّة المواقف نحتت من الصّخور صلابة عزيمتها، ومن طرابين العشب ليونة ألفاظها، ومن صولجان الملك وقار هيبتها…
لم يكنِ الابتسام يعرف طريقه إلى ثغرها إلّا عندما توحي إليك بأنّها فهمت عذرك اللّامعذور، أمّا العبوس فلم يزر يومًا حاجبيها، لأنّك كنت تراه في صمتها وتجاهلها لانفعالاتك، فتفهمه دونما حاجة إلى ترسيمه فوق وجهها، وتعرف أنّها غير راضية، فتتراجع بصمت عمّا كنت قد أتيتَ من أجله، حتّى إنّك ستجد نفسك قد تماديت بذنبك أكثر، لأنّ قيمة الوقت بالنسبة إليها أرقى من أنْ تضيّعه حتّى بثرثرة التّبرير والاعتذار، فتحملك قدماك بشكل لا إراديّ إلى التّسلّل بهدوء خارج غرفة مكتبها.
لا مشاكل في العمل، لأنّها تملك مفاتيح حلول بلا رنين..وإذ تشكرك فأمام الجميع، وإذ تعاقبك فبتحجيم المعنويّات، وزيادة المسؤوليّات.
لا مراعاة لمشاعر أحد إلّا بما لا يتعارض مع المصلحة العامّة للمؤسّسة.
الثّقة محجوبة عن الجميع بلا استثناء، لا أحد مقرّب منها، التّعامل مع الجميع على مسافة واحدة، لذا تراها تهتمّ بأدقّ تفاصيل العمل، ولا تغفل عن شاردة أو واردة، توكل إليكَ المسؤوليّات ولا تتوانى عن الاستطلاعات.
تحضر إلى المؤسّسة بألفها، وتغادرها بيائها، فليس مَن يسبقها في الحضور، ولا مَن يعقبها في المغادرة.
لقد نالت المؤسّسة بفضلها شهرة وثقة لا حدود لهما لدى الجهات الرّسميّة المختصّة.
إنّه اليوم الأخير لتقاعدها… فوجئتُ يومذاك!
لقد بكت نظراتها دون أنْ تدمعَ عيناها، وغاب عن لهجتها نبرة القيادة وحلّت مكانها نبرة أمّ حنون، ولجلجة أبٍ يوم زفاف ابنته.
فلم تعد ترى سوى ملامح وجه يفيض حنانًا، وملكة نزعت عن رأسها تاج المهابة ليعتمر رأسَها تاجٌ الأمومة المتفانية، والجَدّة الحانية، وظهرت على وجهها ملامح طفل تعب من تحطيم ألعابه.
تهاوت فوق مقعدٍ تسمّرت فوقه سنوات، فنال من شبابها زهوة الحياة، ومن عمرها أروع الأوقات، وهي تشدّ إزر إدارتها بإرادتها، فلا تتزحزح عنه كثبات مبادئها، لأنّها كانت تدرك أنّ نجاح العمل يتوقّف على حسن سير إدارته، وتَعلَمُ بذكائها الفطريّ الأكاديميّ بأنّ أصغر حجر في السّدّ هو ضمانة، وغيابه يُحدِثُ فيضانًا، فكم بالحري حجر الأساس؟!
صافحَتِ الجميعَ بقلبها وعينيها قبل يديها، اعتذرت عن صرامتها الّتي تحتاجها القيادة بحكم المسؤوليّة، وختمت اللقاء بعبارة: في القيادة عبادة، وفي المسؤوليّة تخلٍّ عن الأنانيّة، أمّا الحرّيٌة فهي ضبط النّفس في إحكام القبضة الحديديّة
بالتّرفّع عن المحسوبيّة.
بقلم الدكتورة … عايدة قزحيّا
من “مجموعتي القصصيّة”
Discussion about this post