كتب … خطاب معوض خطاب
موظف البريد الذي كان سببا في ثقافة الكثيرين
عمر عبد العزيز أمين.. المترجم وصاحب “روايات الجيب”
عمر عبد العزيز أمين اسم مهمش ربما لم يسمع به الكثيرون من أبناء الأجيال الحالية لكنه كان ملء الأسماع والأبصار في مصر والعالم العربي يوما ما، ربما يجهله الكثيرون بالفعل ولكن أعماله ما زالت بيننا تشهد على نبوغه وعبقريته اللًّذَيْنِ لم يقدرهما أحد ولم يأبه بهما أحد، حيث قام بترجمة العديد من الروايات والقصص العالمية وإصدارها في طبعات باللغة العربية، وهي التي استعان بها صناع السينما المصرية منذ عشرات السنين في صنع عشرات الأفلام دون أدنى إشارة إلى اسمه كمترجم لهذا الروايات والقصص العالمية، وقد ولد أمين في يوم 4 فبراير سنة 1904 بقرية صفط العنب التابعة لمركز كوم حماده بمحافظة البحيرة، وعمل في مقتبل حياته موظفا بهيئة البريد المصري ثم ترقى ليصبح مديرا عاما.
وتعرف عمر عبد العزيز أمين على الكاتب الكبير بديع خيري الذي ضمه إلى هيئة تحرير مجلة “ألف صنف” التي كان يرأس تحريرها، ومن خلاله تعرف على محمد توفيق دياب الكاتب والصحفي والأديب والخطيب الوطني الشهير وصاحب جريدة “الجهاد” حيث أسند إليه المسئولية عن قسم الترجمة في الجريدة، ثم عمل مترجما في دار الهلال، وحينما توقفت صحيفة “الجهاد” عن الصدور نتيجة الأزمات المادية التي تعرضت لها وأغلقت أبوابها أخذ عمر عبد العزيز أمين كمية كبيرة من الورق بباقي مستحقاته المالية من الجريدة، وبهذه الكمية من الورق بدأ إصدار أول أعداد سلسلة روايات الجيب في يونيو سنة 1936، والتي تعد أشهر سلسلة روائية وقصصية نقلت للغة العربية الآلاف من روايات وقصص الأدب العالمي وأشهر الروايات البوليسية في ترجمات شعبية رخيصة الثمن.
وقد استمرت روايات الجيب تصدر أسبوعيا وزاد توزيعها، وكانت تصدر أحيانا مرتين أسبوعيا وتنشر أعمالا مترجمة لكبار أدباء العالم مثل ليو تولستوي وشكسبير وفيكتور هوجو وديستوفسكي والكسندر ديماس الأب والابن وفلوبير وغيرهم، وكان يقوم بأعمال الترجمة العديد من المترجمين بجانبه عباس حافظ وصادق راشد ومحمود مسعود وإسماعيل كامل ومحنود ذهني وغيرهم، وأصبح المخرجون السينمائيون يستعينون بسلسلة روايات الجيب في أعمالهم السينمائية، حيث تم إنتاج العديد من الأفلام المأخوذة عن ترجمات روايات الجيب، ولكن للأسف الشديد كان صناع تلك الأفلام يشيرون إلى اسم الرواية الأصلية المأخوذ عنها الفيلم ولا يشيرون لاسم المترجم عمر عبد العزيز أمين الذي اجتهد وكَدَّ وأبدع في ترجمة الرواية.
وفي يوليو سنة 1945 أصدر مجلة “مسامرات الجيب” وكان يكتب فيها كل من الدكتور طه حسين والعقاد والمازني ويوسف السباعي ولطفي الخولي وعبد المنعم الصاوي وإبراهيم الورداني والدكتور محمد مندور وانضم إليهم محمد توفيق دياب صاحب جريدة “الجهاد” التي كان يعمل بها عمر عبد العزيز أمين من قبل، وكانت “مسامرات الجيب” مجلة سياسية تتبنى المصالح الوطنية المصرية الخالصة، مما عرضها لعدد من الأزمات مع الحكومة في ذلك الوقت على عكس الجرائد والمجلات التي سبقتها في الصدور، حيث كانت جريدة “المقطم” تدافع عن المصالح الإنجليوية و”الأهرام” تدافع عن المصالح الفرنسية بينما كانت دار الهلال ومجلاتها تؤيد وتدافع عن مصالح القصر الملكي.
وبعد ذلك أصدر في سنة 1947 مجلة “الأستوديو” وكان يكتب فيها كل من الورداني والسباعي وحسن إمام عمر وكمال النجمي وحسن فؤاد وزكريا الحجاوي وصلاح منتصر وآخرون، ثم أصدر مجلة “اضحك” التي كتب فيها أبو السعود الإبياري وفتحي قورة وأنور عبد الله وجليل البنداري وعبد المنعم أبو بثينة، وفي نفس الوقت تم تكليفه بإعداد كتاب عن تاريخ البريد المصري وكذلك بإنشاء متحف البريد الذي أنشأه بالفعل وكان أول أمين له.
وكما أقبلت عليه الدنيا أدبرت عنه حيث تعرض لسلسلة من الأزمات المادية انتهت بإغلاق إصداراته الأدبية الواحدة تلو الأخرى، والتي بدأت أولا بإغلاق مجلة “مسامرات الجيب” في سنة 1953، وانتهت بإغلاق سلسلة “روايات الجيب” في يونيو سنة 1986 بعدما ظلت تصدر لمدة 50 سنة متواصلة أثرت فيها المكتبة المصرية بآلاف القصص والروايات العالمية المترجمة، وسرعان ما لحق عمر عبد العزيز أمين الذي كان سببا في ثقافة ومعرفة الكثيرين بالأدب العالمي بإصداراته التي أغلقت أبوابها حيث توفي في يوم 15 ديسمبر سنة 1986.
Discussion about this post