كتب … خطاب معوض خطاب
احترف الحلاقة من أجل لقمة العيش
أحمد محمود عرفة.. شاعر سكندري مكافح لا يعرفه الكثيرون
الشاعر السكندري أحمد محمود عرفة يعد واحدا من الشعراء المبدعين بشهادة الكثيرين ممن اطلعوا على أشعاره، ورغم إبداعه إلا أنه يعد مهمشا ومجهولا للكثيرين الذين ربما لم يعرفوه أو يسمعوا به، وقد شرفت بالكتابة عنه في الجزء الأول من كتاب “شخصيات مصرية بين التهميش والنجومية” الذي صدر عن دار السعيد للنشر والتوزيع في سنة 2019، وهو مولود في سنة 1917 في حي القباري بمدينة الإسكندرية، ونشأ وسط عائلة مكافحة ينشغل أبناؤها بالسعي من أجل الحصول على لقمة العيش، حتى أنه ترك الدراسة وهو في الصف الثالث الإبتدائي بسبب ظروفه المالية التي أجبرته أن يعمل صبيا في أحد محلات الحلاقة حتى أكرمه الله بافتتاح محل خاص للحلاقة.
وقد استمد عرفة ثقافته اللغوية من أصدقائه الطلاب ومن زبائنه الذين كان يحاورهم ويتناقش معهم، وكان أحدهم طالبا في أحد المعاهد الأزهرية وهو الذي علمه أصول النحو والصرف والعروض، حتى أصبح يجيد اللغة العربية ربما أفضل من خريجي المدارس المتخصصين، وتفجرت موهبته الشعرية فأصبح يكتب بالعامية في البداية ثم أصبح يكتب بالفصحى شعرا يقطر عذوبة وبلاغة يضارع شعر أكبر شعراء العربية.
واحترف العمل بالحلاقة حتى بلغ سن الأربعين ثم تركها وافتتح محلا صغيرا يبيع فيه الأدوات المكتبية والخردوات، وكان يكتب الشعر العمودي والتفعيلي وتناول في أشعاره كافة أغراض الشعر، حيث كتب أشعارا وطنية وفي الوجدانيات والوصف، وبشهادة العديد من النقاد اتسمت قصائده بالصدق الفني وسلامة الطبع الشعري وعمق الإحساس بموضوعات قصائده واستطاع بموهبته أن يبدع أعمالا كشفت عن قدرته الواضحة عن التعبير والصياغة الفنية والتأثر الكبير بالحركة الشعرية بمصر والعالم العربي، ومن أشعاره:
“ابسمي واطربي فإن البرايا
تتملى الربيع في وجنتيك
واسعدي قدر ما تحبين إنا
قد رأينا الجمال يحنو عليك
وتثني فالناس بين سكارى
وأسارى قلوبهم في يديك
وأشيري فالروح رهن التفات
واغمرينا بالسحر من مقلتيك
واسكبي في الرياض عطرك حتى
تتغنى ما بين زهر وأيك
واعصري للنديم كرم شباب
فلذيذ الشراب في شفتيك
واجلسي ساعة إلينا فإنا
ملأتنا الأشواق ميلا إليك
قد تركنا أحلامنا في حياة
وغنينا بلمحنا جنتيك
ونسينا الزمان إلا زماننا
نورته اللحاظ من جفنيك
فاذكري المعجبين إنا فراش
جذبته الحياة في ضفتيك”
وقد صدر له 4 دواوين شعرية، ديوانان في حياته وديوانان بعد وفاته، حيث صدر ديوان “ظلال حزينة” في سنة 1953 وديوان “ألحان من الشرق” في سنة 1959، وبعد وفاته بسنوات صدر له ديوان “في دوامة الأحداث” وديوان “على الطريق الأخضر”، ومنذ عدة سنوات وتحديدا في يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2016 ناقش الباحث إسماعيل أحمد إسماعيل المعيد بقسم الأدب والنقد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر فرع أسيوط رسالة ماجستير بعنوان “شعر أحمد محمود عرفة السكندري بالرؤية الفكرية والإبداع النقدي”.
ولعل رسالة الماجستير تلك تعتبر تكريما أدبيا لروح ذلك الشاعر المكافح الذي ابتلعه النسيان ولم تلتفت إليه الحياة الثقافية المصرية ولم يتذكره المثقفون المصريون أو يذكروا أعماله طوال حياته حتى مات محسورا شاكيا باكيا، وكانت حياته كلها شقاء من أجل البحث عن لقمة العيش ومثلما كان فقره مفجرا لموهبته الشعرية كان في الوقت نفسه عقبة في سبيل صعود نجمه. نعم حياته الكادحة صنعت منه شاعرا مبدعا ولكنها حالت دون تفرغه لإبداعه ولم تهيئ له المناخ المناسب للإندماج في الحياة الثقافية، حيث عاش طوال حياته وحتى مماته معزولا مثل كثيرين غيره عاشوا نفس حياته وعانوا مثلما عانى، يبدعون ولكنهم يعيشون في دائرة الفقر والشقاء والحرمان بينما يحظى بالشهرة والنجومية أنصاف المبدعين.
Discussion about this post