فلسفة المرأة في لوحة قلب امرأة للرسّام النمساوي العالمي كريستان شيالوي
بقلم الدكتورة … بهيّة أحمد الطشم
تسري الذكريات المنبثقة من قلب الفتاة المُرهفة وهي تنظر بطرفة عين الى قطعة الماضي من حياتها,وتتوقّد النار المتأجّجة بين جدران القلب الذي يعتصر بالأحزان رغم الملامح الهادئة في أديم وجه الحسناء بهيئة الملائكة.
لقد انهمكت خلايا روح نجمة الأيقونة بمرتع الشقاء كثيراً في الزمان الهارب ,ولكنها لم تتوانَ البتّة عن التماس أفق ساطع لأحلامها الوردية,ولعلّ الخلفية المُزدانة بالورود ذات اللون الأزرق تُحاكي أمهات الأفكار في لدُن ذهنها.
يُقال بأنّ المرأة العارفة تعرف ماهيات كل أصناف النساء وكل أنواع الرجال,في حين أنّ آلاف الرجال لا يستطيعون ادراك كُنه أو حقيقة امرأة عارفة واحدة.
ولعلّنا نستحضر ابّان تأمّلنا لحنايا اللوحة عبارة مُفارِقة لمبتكر التحليل النفسي ,وصاحب كتب: “ما وراء اللذّة.” و”حياتي والتحليل النفسي”,اذ قال في هذا الصّدد:” قضيت ما يُناهز الخمسين عاماً باحثاً ,دارساً ومستقصياً مظاهر النفس الانسانية ولم أستطع أن استنتج قواعد ثابتة ونهائية في سلوكيات النساء.”
فرويد العاشق ل “اندرياس سالومي.”المحللة النفسية والكاتبة اللامعة التي امتازت بحياتها غير التقليدية والمتميزة بوهج الابداع,وفي الاطار عينه كانت امرأة استثنائية يحلم بالتقرّب منها العديد من الفلاسفة والمفكرين في عصرها …..( نيتشه,فرويد…..) ,حيث خلقت لدى فيلسوف القوة (نيتشه) صراعاً نفسياً عاصفاً, شكّل أحد الأسباب لظهور مرض العُصاب أو جنونه في المرحلة الأخيرة من حياته, لأنّها لم تبادله بمشاعر المحبة,وأسرت بذلك قلب عدوّ النساء( نيتشه).
وبمُوازاة مرض العُصاب ,وفي سِياق استقراء الخلفيّة السيكولوجية للمحلل النفسي وطبيب الأعصاب “سيغموند فرويد” ,الذي استطاع أن يساعد احدى المريضات في الشفاء من حالة عُصاب صعبة للغاية بعدما أُغرمِت به (طبيبها) ,فبادلها بالحُب الموهوم أحياناً بحسب مقتضيات الخطة العلاجية لكي يستطيع شفائها.
وبالعودة الى اللوحة البهيّة ,والتي رسمتها ريشة بارعة ,فهي تنطوي على الكثير من الألغاز لجهة تعقيدها ,وكذلك في طريقة التعبير عنها بالأسلوب السريالي.
اذاً ,تتأمّل الفتاة السّاحرة ,ذات الجمال الأخّاذ شيئاً ما بحزن بارز بمرآة نفسها (العيون),وفي الآن عينه تنجذب الأنظار للجهة اليمنى من اللوحة,حيث يلتهب رأس الحصان ,ويتصاعد منه الدخان الأسود كأدلّ دليل على الكآبة التي تستشري في عمق النفس المستشعرة بالألم المعنوي العارم…
تغرق عيون أميرة الأيقونة في بحر أسرار حياتها,ويبرز القلب المتوقّد بالنار,بالرغم من سِمات وعلامات الهدوء على وجه الفتاة, وكذلك تعكس طريقة تصفيف شعرها بطريقة غير منسدلة على الأكتاف تغييراً جذرياً ,اذ لطالما تُروى الحكايات المُدهشة عن العلاقة بين المرأة الجميلة وشعرها.
فهو (الشَّعر) تاج جمالها ,مكمن أسرارها في آن,ويسرد في كل مرة قصّة جديدة في حنايا المواقف المُعاشة.
كما تنطوي الالتفاتة الجزئية غير الكاملة للفتاة الى حيّز تأمّلها,ووضعية الجسد المتمايلة عن قرار صارم بالقفز فوق الجراح بعد نجاتها العجيبة من منعطفٍ قاتل.
وبصدد فسيفساء الألوان :ينمّ اللون الأبيض عن أوجّ الطّهر في معالم نفسها ,ويعكس أفهوم النقاء اللأرضي على أرض الواقع أو عالم المتناقضات,حيث تجمع اللوحة بين الأضداد : الألوان الصاخبة والدافئة في آن (الأبيض,الأسود,الأزرق,….),يتماهى اللون الأسود والوقار,كما يتناثر الازرق ألقاً في أرجاء اللوحة.
وفي الخلاصة,نلتمس حكمة ساطعة ألا وهي: أنّ المرأة المُرهفة تجمع في قلبها: الطفولة والحكمة,الهدوء والتمرّد الراقي,وبالرغم من الظروف النازفة بالأوجاع ,غالباً ما ترقص المرأة وجعاً على مسرح جراحها كي تضمّد جراح الآخرين!
Discussion about this post