كتب/خطاب معوض خطاب
سكن في شارع “الضببية” وعمل مراسلا حربيا
جمال الغيطاني.. صنايعي السجاد الذي أصبح أديبا وصحفيا
الأديب والكاتب الصحفي جمال الغيطاني الذي رحل في مثل هذا اليوم منذ 8 سنوات وتحديدا في يوم 18 أكتوبر 2015 يعد واحدا من الداعين والمنادين بالمحافظة على رونق وطابع القاهرة التاريخية المميز، وواحدا من أشهر عشاق ودراويش القاهرة التاريخية وتراثها، وربما كان قد تأثر في ذلك بأستاذه نجيب محفوظ، غير أن الغيطاني لم يقلده، بل كان له أسلوبه المميز ودرب سلكه وأبدع من خلاله، والعجيب أن محافظة القاهرة قد أطلقت اسمه بعد وفاته على أحد أشهر شوارع القاهرة التاريخية وهو شارع “الضببية” بالجمالية، وهو الشارع الذي كان يسكنه صناع “الضبة” التي كانت تستخدم قديما لغلق الأبواب، وأظن أنه لو كان الغيطاني عاشق القاهرة التاريخية حيا لما رضي أن يكون اسمه بديلا عن الاسم التراثي للشارع.
ومن عجائب القدر أن يتوفى جمال الغيطاني في شهر أكتوبر وهو الشهر الذي شهد عمله كمراسل حربي لصحف دار أخبار اليوم، والأعجب أن الغيطاني قد شهد حربي الاستنزاف وأكتوبر كمراسل حربي وارتدى الزي العسكري سنوات طويلة كان في الأصل معافى من التجنيد وذلك بسبب ضعف بصره، ولم يكن الغيطاني وحده الذي عمل مراسلا حربيا، حيث شاركه في ذلك عدد من رموز مصر الصحفية، منهم حمدي الكنيسي وصلاح قبضايا وعبده مباشر وأحمد زين ومصطفى شردي وفاروق الشاذلي والفنان سعيد عبد الغني.
وبالإضافة إلى عمل جمال الغيطاني كمراسل حربي لصحف دار أخبار اليوم خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، كان روائيا شهيرا وقاصا معروفا له العديد من الإصدارات التي لاقت قبولا واسعا، كما أنه كان حكاء من الحكائين المعدودين، وقد ولد جمال أحمد الغيطاني في يوم 9 مارس 1945 بجهينة مركز جرجا محافظة سوهاج، وانتقلت أسرته إلى القاهرة وتحديدا إلى حي الجمالية العتيق حيث عبق التاريخ، وحيث القاهرة الفاطمية والمملوكية العريقة، وحصل على دبلوم صنائع من مدرسة العباسية الثانوية الفنية، قسم تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان، وعمل مصمما لنقشات السجاد بالمؤسسة العامة للتعاون الإنتاجي، ثم عمل مفتشا على بعض مصانع السجاد الصغيرة في عدد من قرى مصر.
وكان الغيطاني قد اعتقل في سنة 1966 بتهمة الانتماء إلى تنظيم يساري سري، وبعد خروجه من المعتقل عمل مديرا للجمعية التعاونية لخان الخليلي، وكتب الغيطاني القصة القصيرة والرواية، ونشر أعماله في عدد من الصحف المصرية والعربية، وفي عام 1969 صدر له أول كتاب بعنوان “أوراق شاب عاش منذ ألف عام”، ضمنه 5 قصص قصيرة، وبعدها عرض عليه محمود أمين العالم رئيس مؤسسة أخبار اليوم في ذلك الوقت أن يعمل مراسلا حربيا، وبالفعل شهد الغيطاني حرب الاستنزاف و وحرب أكتوبر كمراسل حربي، كما شهد أيضا الحرب العراقية الإيرانية، وبعد ذلك أصبح جمال الغيطاني محررا أدبيا، فرئيسا للصفحة الأدبية بجريدة الأخبار، فرئيسا لتحرير كتاب اليوم، فمؤسسا ورئيسا لتحرير جريدة أخبار الأدب.
ومن أشهر أعمال الغيطانى بالإضافة إلى كتاب “أوراق شاب عاش من ألف عام”، “الزيني بركات” و”خلسات الكرى” و”الرفاعي” و”التجليات” و”وقائع حارة الزعفراني”، و”وقائع حارة الطبلاوي” و”المجالس المحفوظية” و”نجيب محفوظ يتذكر” و”مصطفى أمين يتذكر” و”توفيق الحكيم يتذكر” و”خطط الغيطاني” و”رسالة البصائر والمصائر”، وكذلك كتاب “حكايات الغريب’ الذي تحول إلى فيلم تليفزيوني شهير.
وقد نال الغيطاني العديد من الجوائز والأوسمة المصرية والعربية والأوروبية، منها جائزة الدولة التشجيعية سنة 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى سنة 1980، وجائزة الصداقة العربية سنة 1994، وجائزة سلطان العويس سنة 1997، وجائزة لوراباتليون الفرنسية مناصفة مع المترجم خالد عثمان عن كتاب “التجليات” سنة 2005، وجائزة جرينزانا كافور للأدب الأجنبي من إيطاليا سنة 2006 وجائزة الدولة التقديرية سنة 2007 وجائزة النيل للآداب سنة 2015.
وأخيرا فقد عاش الغيطاني طوال حياته عاشقا ودرويشا للقاهرة، حارسا لتراثها العظيم، باحثا عن مواطن الجمال فيها، حتى توفي في يوم 18 أكتوبر سنة 2015 عن سبعين عاما، رحم الله جمال الغيطاني ذلك الصوفي الذي كتب في روايته “خلسات الكرى” التي صدرت عام 2003 وكأنه يحكي عن نفسه: “ما تبقى أقل مما مضى، يقين لا شك فيه، أعيه، أتمثله، أعيشه، فلماذا أبدو مبهوتا؟! مباغتا كأنني لا أعرف؟ مع أنني المعني والمطوي والماضي إلى زوال حتمي”.
Discussion about this post