كتب/خطاب معوض خطاب
بطل تبة العريش المجهول
حكاية ضابط مصري مجهول الاسم والسن والرتبة والعنوان
الجندي المصري المقاتل هو عنوان الشجاعة والبطولة والفداء دون مبالغة، وبطولات الجنود المصريين لا تحصى ولا تعد على مر الزمان، ولا شك أن جينات البطولة كانت وما زالت موجودة لدى المقاتل المصري منذ قديم الأزل حتى اليوم، كما أن البطولات التي حققها المقاتلون المصريون في حرب أكتوبر لم تكن وليدة اللحظة ولم تكن من قبيل الحظ، بل كانت معبرة عن قوة وبسالة وشجاعة الجندي المقاتل المصري الذي يعد من أقوى وأعظم المقاتلين على مستوى العالم كله.
ومن البطولات المجهولة للمقاتلين المصريين ادقبل حرب أكتوبر والتي لا أعلم السر الكامن وراء تجاهلها وعدم إبرازها وتسليط الضوء عليها أو صنع عمل فني سينمائي أو تليفزيوني يبرزها، بطولة ضابط مصري شاب مجهول الاسم والسن والعنوان والرتبة يعتبره أهل مدينة العريش بسيناء الحبيبة رمزا للبطولة والشجاعة والتضحية والفداء، حيث تتناقل الأجيال هناك قصة بطولته، وأنا أكتب حكايته لكم هنا نقلا عن الكاتب الكبير وجيه أبو ذكري الذي أوردها في كتابه الشهير “مذبحة الأبرياء في 5 يونيو” والذي ذكر أنه قد نقلها بدوره عن شاهد عيان من العريش اسمه عبد العزيز الغالي.
زمان الحدث كان يوم 5 يونيو سنة 1967، أما المكان فهو في مدينة العريش المصرية حيث يتجمع رجالها ليقابلوا سيارة عسكرية مصرية يقودها ضابط صغير السن توحي تعبيرات وجهه بأحزان الكون كله، وحينما التقاهم خاطبهم وكأنه في سباق مع الزمن، وطلب منهم أن يساعدوه في إنزال المدفع المضاد للدبابات من فوق السيارة العسكرية ومعاونته في تثبيته فوق تبة بارزة وتوجيهه صوب طابور من الدبابات الإسرائيلية في طريقه إلى العريش من جهة رفح وقطاع غزة، وتسابق أهل العريش في معاونة هذا الضابط الذي أبيدت القوة العسكرية التي كانت معه، حيث حملوا المدفع والذخيرة الكبيرة التي كان يحملها فوق السيارة، ثم حملوا أكياسا من الرمال وضعوها حول المدفع ليثبتوه.
وخلال دقائق معدودة تم تجهيز الموقع للدخول في معركة مع الدبابات الإسرائيلية القادمة لاقتحام مدينة العريش، وما إن اقترب طابور الدبابات حتى بادرهم الضابط المصري الشاب بإطلاق نيران مدفعه على أول دبابة في الطابور فأصابها ثم أطلق نيران المدفع على آخر دبابة فأصابها أيضا وسط فرحة وتصفيق وتهليل أهالي العريش بما يفعله هذا البطل الشاب، وهكذا حوصرت بقية الدبابات الإسرائيلية بين الدبابة الأولى والأخيرة المصابتين، وكلما حاولت دبابة منها الخروج من الطابور ومحاولة التقدم ناحية مدينة العريش إذا بها تصبح صيدا سهلا في مرمى نيران مدفع بطل تبة العريش الشاب، وكلما أطلقت الدبابات نيران مدافعها كانت تطيش طلقاتها.
وظل بطل تبة العريش الشاب وحده يمنع طابور الدبابات الإسرائيلية لساعات حتى كادت ماسورة المدفع أن تتحول إلى قطعة من النيران، وعندها طلب الضابط الشاب من أهالي العريش معاونته بإحضار مياه وملابس لتبريد ماسورة المدفع، فتسابق الأهالي في حمل المياه والصعود بها فوق التبة، وخلعوا ملابسهم وبللوها في المياه ثم وضعوها على ماسورة المدفع لتبريدها، وكانت بحق ملحمة كبرى للبطولة والشجاعة والتضحية والفداء من الضابط الشاب وأهالي العريش في ذلك الوقت.
وفشلت الدبابات الإسرائيلية في إقتحام العريش، كما فشلت مدافعهم في إصابة بطل التبة الشجاع، حتى جَنَّ الليل وجاء بصحبته قوة كوماندوز إسرائيلية تسللت من خلف التبة، فأصبح الضابط البطل الشجاع محاصرا بين الدبابات وقوة الكوماندوز التي ألقت قنابلها على التبة فاستشهد البطل المصري الشجاع، وتقدمت الدبابات الإسرائيلية واقتحمت مدينة العريش حيث قام قائد القوة الإسرائيلية بتفقد موقع التبة وأصيب بالذهول حينما رأى وشاهد بعينيه أن القوة المصرية المتمركزة فوق التبة ما هي إلا ضابط مصري واحد فقط، بعدها سمح القائد الإسرائيلي بدفن جثمان الضابط الشجاع في مدافن العريش، وحرص على حضور مراسم الدفن ليؤدي التحية العسكرية لجثمان بطل تبة العريش مجهول الاسم والسن والرتبة والعنوان.
*ملحوظة:
الصورة المرفقة هي صورة تعبيرية فقط وليست صورة حقيقية للمدفع أو التبة المذكورين بالمقال.
Discussion about this post