كتب/خطاب معوض خطاب
“قنطرة الذي كفر” هو اسم يطلق على إحدى القناطر التي كانت موجودة على الخليج المصري الذي يعد واحدا من أكبر المجاري المائية الصناعية التي شقها الإنسان المصري قديما لتساعده في ري الأراضي التي لم يصلها ماء النيل بشكل كاف، والخليج المصري كان يبلغ طوله أكثر من 42 كم أما عرضه فقد كان يتراوح بين 5 أمتار و15 مترا، وتم ردم هذا الخليج بعد أن طاله الإهمال مع مرور الزمن وامتلأ بالقمامة وجثث الحيوانات الضالة والحشرات، وبعد ردمه أصبح الشارع معروفا باسم الخليج المصري، وتم تسيير خط ترام به بين عامي 1896 و1898، وبعد العدوان الثلاثي على مدينة بور سعيد تم تغيير اسم الشارع من الخليج المصري إلى شارع بورسعيد الذي يعد واحدا من أطول شوارع القاهرة.
وكانت البيوت قديما تطل مباشرة على الخليج المصري مثلما هو الحال في مدينة فينيسيا بإيطاليا، وكانت معظم هذه البيوت يمتلكها الأمراء والأغنياء وعلية القوم الذين كانوا يقيمون قناطر تربط بين ضفتي الخليج يعبرون من خلالها إلى بيوتهم التي كانت أشبه بالقصور، وكانت المنطقة كلها أشبه بالمنتجعات، وقد تعددت أسماء القناطر على الخليج المصري مثل قنطرة السد وقنطرة الموسكي وقنطرة الأمير حسن وقنطرة فم الخليج وقنطرة السباع وقنطرة آق سنقر وقنطرة باب الخرق وقنطرة درب الجماميز وقنطرة شاهين باشا، إلا أن أغرب الأسماء التي تم إطلاقها على هذه القناطر كان اسم “قنطرة الذي كفر”، وهذا الإسم له قصة وحكاية مأثورة.
فتلك القنطرة تم إنشاؤها في العصر العثماني وأنشأها الأمير عبدالرحمن كتخدا في سنة 1762، وكانت تقع بين قنطرة آق سنقر وقنطرة باب الخرق المعروف حاليا بباب الخلق، وكان موضعها أمام شارع رحبة عابدين المسمى حاليا شارع مصطفى عبدالرازق، وتحديدا بالقرب من جامع يوسف أغا الحين، وفي أيام الحملة الفرنسية على مصر كان يسكن أحد كبار قادة الحملة واسمه كفاريلى في أحد البيوت على الخليج المصري، وكان كفاريلي المسمى بأبي خشبة لأنه كان برجل واحدة ويعتمد على رجل خشب بدلا من الثانية يعبر إلى بيته من خلال هذه القنطرة التي قام بترميمها وإصلاحها، فسميت القنطرة باسمه وأصبحت تسمى بقنطرة كفاريلي.
والجنرال كفاريلي سقط قتيلا أثناء محاولة الفرنسيين اقتحام أسوار عكا التي امتنعت عليهم، وسقط معه الكثيرون من القادة الفرنسيين مثل الجنرال بون صاحب فكرة ضرب الفرنسيين للأزهر الشريف بالمدافع ودخوله بالخيول، وبعد رحيل الفرنسيين عن مصر قام أهل المنطقة بتغيير اسم القنطرة على سبيل التندر من قنطرة كفاريلي إلى قنطرة “اللي كفر”، وظل ذلك الاسم مرادفا لها حتى تولى محمد علي باشا حكم مصر وبدأ تدوين الأسماء في الدفاتر باللغة العربية الفصحى، فتم تدوين اسم القنطرة باسم “قنطرة الذي كفر” بدلا من “قنطرة اللي كفر”.
والجدير بالذكر أن المخرج يوسف شاهين في سنة 1985 أخرج فيلما عن الحملة الفرنسية أسماه “الوداع يا بونابرت” وكان أحد أبطال الفيلم اسمه الجنيرال كفاريلي وأدى دوره النجم الفرنسي ميشيل بيكولي، كما أن الأستاذ مصطفى مصطفى مشرفة شقيق العالم النابغة الدكتور علي مصطفى مشرفة قد كتب أول رواية باللهجة العامية المصرية وهي الرواية الوحيدة له واسمها “قنطرة الذي كفر”، وهي تتعرض لأحداث ثورة 1919، وفي الرواية يحمل أحد الأبطال اسم الشيخ عبد السلام قنطرة، ومن خلال أحداث الرواية نعرف أنه يسكن في نفس المنطقة التي تحمل اسم “قنطرة الذي كفر” وكان لا يؤمن بمبادئ الثورة وكفر بها حينما قامت ثم عاد وآمن بها بعد ذلك، فكان بذلك هو “قنطرة الذي كفر” بالثورة ويقيم بمنطقة “قنطرة الذي كفر”.
*من كتاب “القاهرة.. حكايات من زمن فات” الصادر عن دار غراب للنشر والتوزيع
Discussion about this post