قصة قصيرة
بقلم الكاتب والأديب
خالد عبد المنصف
أقبل فصل الشتاء تتقدمه طلائع المزن الداكنة التي تخفي زرقة السماء وتحجب أشعة الشمس معظم فترات النهار، سارعنا بإخراج ملابس الشتاء الثقيلة، في المساء تحلقت أنا وبناتي وزوجتي حول المدفأة هربا من لسعات البرد ذي الأسنة المدببة، الريح تصفر و المطر يشتد، أجلس على الكرسي الهزاز، أتناول فنجانا من قهوتي المفضلة، مرتديا روبا ثقيلا، نظرت إلي بناتي وهنَّ يغصن تحت البطانية يتابعن المسلسل، تسلل إلي أنفي رائحة شتاء تلك الأيام التي كنت فيها طفلا غضا لم أتجاوز التاسعة من عمري، كنت أسكن في منزل ريفي بسيط ككل منازل قريتنا، كان منزلا مبنيا من الطوب اللبن مسقوفا بعروق الأخشاب والتي يعلوها الحطب والقش، أذكر أننا في ليالي الشتاء المطيرة كانت تتسلل مياه الأمطار عبر السقف إلي جميع حجرات البيت، فكانت أمي تسارع بوضع أواني الطبخ أو صفائح السمن المستعملة تحت الفتحات التي تتسرب منها المياه، وكانت تضع أحيانا تلك الأواني فوق السرير، كنا نقضي ليالي الشتاء في عرفتنا التي ننام فيها وذلك حتى تكتسب الدفء فلا نشعر بالبرد، كنا نتحلق حول الطبلية نستذكر دروسنا على ضوء لمبة الجاز نمرة عشرة، عندما عاد والدي من غربته كنا نتحلق حول الكلوب،كانت الكهرباء كثيرا جدا ما تنقطع طول الليل، بعد أن ننتهي من مذاكرتنا كان أبي يفتح الراديو على إذاعة البرنامج العام نستمع إلى بعض الإسكتشات الغنائية التي أذكر منها عوف الأصيل وقسم وأرزاق.
وفي الصباح نلبس أحذية المطر،نصنع مراكبا ورقية نسيرها في البرك التي خلفتها مياه أمطار الليلة المنصرمة، كنا نتعمد أن نمشي وسط برك المياه في طريقنا إلى المدرسة التي لم نكن نجرؤ أن نتغيب عنها وإلا تعرضنا للعقاب والتوبيخ من أمي مرة ومعلمة الفصل مرة أخرى والغريب أن المدرسة كلها لا يتغيب منها أحد.
أفقت من شرودي على صوت بناتي يهللن،عندما سألتهن عن سبب تلك الضجة؛ أخبرنني أن وزير التربية والتعليم قد قرر أن غدا إجازة رسمية بسبب سوء أحوال الطقس، نظرت بحسرة و امتعاض إلى شاشة التلفزيون:
_نعم، بسبب سوء أحوال الــ…طقس!
Discussion about this post