السيد الجزايرلي يكتب طين القرى

( طِينُ القُرَى )

***
كَسَرْتُ جِرارَ أحْلامي
فَسَالَ الغَيْمُ،
وانكَشَفَتْ نُبُوءاتي
رأيتُ الشَّمْسَ سَيِّدَةً
تُصَلِّي الدِّفْءَ في وَلَهٍ
وتُقْصِي البَرْدَ عن لَيْلِ الشِّتَاءاتِ
إذا رَكَعَتْ
تَرَاجَعَ صَوْتُ شَيْطَاني
وإنْ سَجَدَتْ
تَخُونُ الخَمْرُ لذَّتَهَا
وتَغْسِلُهَا ابْتِهَالَاتي
فمَنْ يَبْكي
إذا احْتَشَدَتْ ملائكةٌ
على صَدْرِي
وقد أَعْمَتْ ذُنُوبُ الرَّمْلِ مِرْآتي؟
طَويلٌ
لَيْلُ مَجْمَرَتي
كأنَّ الوَقْتَ مَصْلُوبٌ
على مَبْكَى سَمَاواتي
كأنِّي في صَباحِ العيدِ
أُضْحِيَةً
ورُؤْيا الذَّبْحِ تَفْسِيرٌ لآياتي
مُخَضَّبَةٌ
أَكُفُّ النِّيلِ من مِلْحِي
ومن مِلْحي
يُسَاقُ الحُزْنُ نافلةً
إلى يُتْمِ الجَنَازاتِ
أنا في سَكْرَةِ العُبَّادِ
مَحْبَرَةٌ
يَسِيلُ الشِّعْرُ في دَمِهَا
متى خَفَّتْ مَوَازِينُ العِبَادَاتِ
أنا حَجَرٌ
تَحُكُّ الرِّيحُ جَبْهَتَهُ
ولا يَسْعَى لِقَافِيَةِ الجَمَادَاتِ
أنا المَخْلُوقُ من طينِ القُرَىَ
بَشَرَاً
ورَائحَتي بَخُورٌ
من كَلامِ اللهِ عن طِينِ البِدَايَاتِ
نَزَلْتُ الأَرْضَ مُضْطَرَّاً
ولَكِنِّي
غَسَلْتُ الذَّنْبَ من مَائي
ومَأْسَاتي
زَرَعْتُ الأرضَ أسْئلَةً:
لماذا النِّيلُ لم يأتِ
وبَابُ الفَجْر مَفْتُوحٌ
على لَيْلِ الخِيَاناتِ؟
عيونُ الماءِ لا تَغْفُو
ومن يَغْفُو
إذا طُرِفَتْ عُيُونُ الماءِ
من كُحْلِ المَسَاءاتِ؟
ظَلَامُ القَهْرِ مِقْصَلَةٌ
ومن دَمِنَا
تَعُبُّ الأَرْضُ أَحْلَامَ السَّحَاباتِ
لكَ الأَحْلَامُ جَارِيَةً
وَلِي تَاجٌ
على عَرْشِ المَصَبَّاتِ
فإنْ كُسِرَتْ جِرَارُكَ لا تَقُلْ ظَمَأً
وكُنْ مَطَراً
يَرَىَ في الأَرْضِ جَنَّتَهُ
إذا انْتَفَضَتْ
مَلَائكَةُ السَّمَاواتِ.

كلمات الشاعر / السيد الجزايرلي