بقلم دكتور.. محمد الدليمي
الحضارة والإنسان :
قال تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) ٣٣ الزخرف، انظر لكلام الله سبحانه بدقة متناهية، لتعرف إن البشرية خلقت على أقوام ثلاثة ولكل قوم منهم له تفاصيله وأقوامه، القوم الأول: المؤمنون وهو العربي، والمشككين سؤالهم المعتاد هل خلق الله سبحانه العرب مؤمنين دون سواهم ؟ .
الأجابة تكون من ضمن كتاب الله والأثر ؛ فالله خلق أمة العرب خير أمة وخلق الأعراب أمة وسطا وخلق بني إسرائيل ما بعدها وهذا التقسيم لمن آمن بالله وليس للبشرية، أما ما كان بعدها فهم أمة كافرة بالله ولهم الخزي في الحياة الدنيا والأخرة .
أما ما يخص الأثر المعقول أو المنطقي فهي رسالات سماوية لم تنزل قط في أرض غير أرض العرب ؟ وذلك لسمة العرب بالإيمان وعرفت العرب بأصلها الطيب وأخلاقها الرفيعة ؛ وأيضا لم تبن حضارة على أرض العرب إلا بالإيمان بالله فهل سمع الأقدمون قبل الحاضرين بنيت حضارة على أرض العرب بالكفر !؟ من المؤكد الجواب : كلا . وفي الخلق الأول بنيت حضارة أسمها أرم من أعظم ما قدمه الإنسان من بناء وأعمار وكانوا حديثي العهد في التعاليم السماوية وبدأ الشيطان يتسلل إليهم ويغويهم ويفتنهم في قوتهم وفكرهم حتى انتزع الإيمان من قلوبهم فأرسل الله إليهم رسولا يبشرهم برسالة السماء وفوجئ بطرده من القوم فغضب الله عليهم فجعلها مدفونة تحت الرمال ولم يغادر منهم أحد .
بعد ذلك بنيت أول حضارة في بلاد الرافدين جاءت الحضارة السومرية على أتباع المنهج السماوي ، والمؤكد لهذا الكلام من خلال سن القوانين والأنظمة، وكذلك من خلال الأخلاق الرفيعة التي كانوا يمتلكونها، فهم كانوا يعيشون برغد الإسلام والتوحيد ، ومن بعد ذلك كفروا وجاءهم نمرود من خلال فترة أقتت الرسل فيها وهذه الفجوة كانت ابتلاء رب العالمين للبشر أو للأمة المؤمنة ، فأرسل إليهم ابراهيم عليه السلام فلم يؤمنوا به فدمرت الحضارة عن بكرة أبيها ، وارسل لهم اسماعيل والياس وذو الكفل عليهم صلوات ربي وسلامه ، فآمنوا اغلبهم فبنيت حضارة بابل وعاشوا بسلام وبعد ذلك فرقهم الشيطان الرجيم فبنيت حضارات خمسة على أرض العراق فكلما يبعث لهم الله رسولا بما لا تهوى انفسهم ولا يؤمنوا به تًدمر حضاراتهم ويسقط فيهم الفتن، حتى نسوا ذكر الله أكبر وعاشوا أقواما متفرقين لا حضارة لهم . نتعلم من قصة يونس النبي عليه السلام اشد المواعظ عدلا واشد العقاب لمن يقترب حدود الله وإن كان غافلا عنها .
إن الله عادل في حكمه على عباده فارسل إلى حضارة نينوى يونس النبي عليه السلام فكان النبي شديد العنف والغضب فقال لهم أنا نبي الله أرسلت إليكم لعلمكم تعاليم السماء ، فمن المؤكد لم يؤمنوا من الوهلة الأولى فذهب مغاضبا من تلقاء نفسه ، ظنا منه إنه دعاهم فلم يستجيبوا فستحقوا عذاب الله سبحانه ، وكان معروفا في الحضارات القديمة ، ومعلوما لدى الناس من لا يستجيب لدعوة الله ستدمر مملكته حتما، فأتجه الى البحر وهناك جعل الله سبحانه يلتقمه الحوت، ورجع يونس النبي بعد التسابيح التي علمها سبحانه له فارسله سبحانه الى مئة الف أويزيدون ليرى الله ما يفعله مع هذا العدد اضعاف اضعاف العدد الأول . سبحان الله فآمنوا جميعهم فبنيت لهم حضارة عظيمة يشهد لها العراق ماتبقى منها.
هذا هو العدل الألهي لمن يظن بنفسه اصبح عبقريا ويفتي على الله ما لا يعلمه واشتدت معالم فتوى الجهلاء على كتاب الله وسنة نبيه الكريم صلى الله وسلم ؛ والناس اصبحت سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد والجميع يصرخ ويقول ما هذا الذي اصابني وماهذه الحياة التي انا اعيشها من اشد العذاب وهذة الاخيرة لا يحب الله سبحانه سماعها الذين يجعلون الاختبار والامتحان كعذاب الله بل هذا ما اقترفته ايديكم لمن لم يجعل لله وقارا ويفتي على الله بغير علم وتذكر ولا تنسى إنك تستنبط حكما أي تسقط فكرك على الآية أو الحديث النبوي وتخرج حكما .
إنما أراد الله البحث اللغوي هو الحكم لله فلا ترفع ضعيف وتسقط قوي قال تعالى ( لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) أي الدراسات اللغوية هي حكم الله وليس الاستنباط الذي يظن المفتي إنه علم من معنى الآية الكريمة بعد اسقاط فكره عليها .
وجاء فرعون وقومه، وكانت مصر مؤمنة بجميع الأنبياء التي تنشر الدعوة فيها ولكن المؤسف في ذلك إن جاءهم فرعون أشد عنادا لرسالات السماء وكان أكثر الملوك قسوة على المسلمين ( فستخف قومه ) وكانت حاشيته كحاضرنا هم أتباع الملك في فجوره وظلمه وهذا أمر أعتادت عليه البشرية ، منذ قديم الزمان، فارسل الله أنبياء ورسلا كثر إلى أرض مصر فأغلب ملوكها آمنوا بهم إلا من سفه نفسه فيعذبه الله في الدنيا ؛ والأثار شهدت بذلك ويبقى نظام الحكم والشعب في رعية الله سبحانه، حتى وصل الحكم إلى فرعون موسى فهنا المفارقة وليعلم الإنسان قصة موسى عليه السلام من عدل سبحانه في عباده فرفض فرعون بتسليم دعوة موسى بل والأكثر بغضا كان يقتل كل من يؤمن لموسى النبي عليه السلام فارسل الله سبحانه لفرعون وقومه من حاشيته تسعة آيات معروفة لدى كل الناس، كي يعلم الجميع إن الله يعلم مافي القلوب وإن لم يظهروا ذلك الإيمان أمام أحد خوفا من فرعون وتلك امرأته المؤمنة بنى الله لها بيتا في الجنة، فكانت الآيات لقوم فرعون وحاشيته الكافرين، فلما أصر على قتل موسى النبي عليه السلام وقومه من بني اسرائيل كان حتفه أن يموت هو وقومه الكافرين في البحر الذي طبق عليه ولا مأسوفا عليه ونجا موسى وقومه فهذه هي حكمة الله سبحانه في عباده.
فآمن من جاء بعد فرعون بموسى النبي عليه السلام وتركه يدعو إلى الله سبحانه حتى ذهب موسى إلى اليمن ليدخل القرية التي سكنها العمالقة فخاف قومه منهم ولم يرقبوا قول موسى عليه السلام فحكم الله عليهم بالتيه في الصحراء .
كانت اليمن فيها حضارة عند ايمانها بالأنبياء والرسل في حينها وارسل الله طالوت عليه السلام ليجمع بني اسرائيل ليدخلوا تلك المدينة وكان من ظمنهم داود عليه السلام وقتلوا العمالقة حراس المدينة ولم يدخلوها بل رجعوا إلى الحبشة ليبنوا حضارة ويكونوا جيشا؛ واقيمت حضارتهم على يد سليمان الذي عهد لله أن لا يكون ملكه لمن بعده فاعطاه سبحانه كل شيء مما لا يتخيله الانسان أو يستطيع التعبير عنها .
حتى وصلت العبادة الى الشمس في زمن بلقيس وارسل الله سليمان عليه السلام إليها والقصة معروفة ولكن هل فهم أحد قول بلقيس الملوك إذا دخلوا على قرية جعلوا أعزة أهلها أذلاء، فهي تعلم إن سليمان نبي فآمنت به تلقائيا من خلال التعبير القرآني للقصة، ولكن خافت على قومها لشدة حكمتها فقالت الملوك إذا دخلوا على …، فحفظ الله ملكها. وغادرت المملكة بعد ذلك الإيمان بالله . وحفظت المملكه وبعد قرون عدة كفرت بانعم الله فدمرها الله سبحانة وسحقها أمام العباد، وهنا وقفة بعد ذكر ما كان من الحضارات ولكن هل تبنى حضارة من الرمال!؟.
ليس بعيدا عن صاحب الكاف والنون أن يعيد للبشرية أمجادها أو يستبدل أقوامها بأقوام صالحين مؤمنين ، فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين، فكانت العرب قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوم يعيشون في الصحراء ويتحكم بهم القوي كيف يشاء وكانت القبائل متصارعة فيما بينها حتى يبقى القوي قويا والضعيف ضعيفا وكانت الأمصار العربية كلها تعيش في غابة الأحتلال الروماني، فلا قوة تنقذهم من الأحتلال ولا من التفرقة كي تجمعهم ولا من الشرذمة كي تقودهم كانوا كيومنا هذا ولا ينقصون عنا شيء سوى ظرف الحياة وتطورها ؛ فمن أين بنيت حضارة العرب ؟ بنيت كما تبنى أي حضارة أما من عدلا أو إيمانا أو رفع الظلم عن الأخرين ، لا يوجد غير الثلاثة التي ذكرناها ، ولكن لا حضارة تدوم من دون دين سماوي وإلا هي تعيش في ظلم مقيت وعشواء بغيضه ورعونية الأباحية الرذيلة فلا عقل يحتمل ما يكون خلفها حتى ينتزع الشرف أمام عينيه ولا حليما يرضى بذلك حتى تسقط عن جبينه قطرة العرق، وكل ذلك لأنه لم يسلم لله وجها ولا يقدم قربانا، فتصبح الناس بعد تلك القوة الشيطانية القاهرة أمة بائسة من رحمة الله ويذكرها سبحانه ( ومن يقنط من رحمة الله إلا القوم الظالمون ) وتنتشر فحشاءهم ورذيلتهم فتتقبلها الأمم الأخرى لأنها ضيعت على نفسها طريق الرجوع وتظن الرذيلة فكرا والعري ثقافة والظلم عدلا والطغيان فخرا وكل هذا يحذرنا الله سبحانه منه ويقول لولا خوفي على عبادي من دخوله في الأمة الظالمة ويصبحون منهم لجعلت لهم سقوفا من فضة ومعارج وصناعات لا تبلى ولا تعد ومن الزخارف ما لا يراها الأنسان من قبل وكل ذلك إلا يكون المؤمن طاغية أو يصبح كافرا .
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
Discussion about this post