قصة قصيرة
بقلم الكاتب والأديب
خالد عبد المنصف
النوم سلطان وقد حاولت أن أتسلطن حتى خطوت أول خطوة على عتبات النوم قبل أن يُفتح باب السلطنة و ما بين اليقظة والنوم وقد ثقل جفناي فغامت الرؤية، سمعت هاتفا يصرخ فيّ:
_أفق فقد حان وقت اليقظة.
رأيت أمامي شيخا شديد البياض وقد ارتدى جلبابا شديد البياض ذا لحية شديدة البياض وقد تدلت حتى أول صدره، جذبني من كتفيّ ثم ضمني بشدة لصدره فكادت أن تختلط ضلوعي لولا أنه تركني وقد تغيرت ملامح وجهه وقال بجدية:
_اتبعني دون سؤال.
_إلى أين؟!
_قلت لك اتبعني دون سؤال.
سرت وراءه، صعدنا سلما حتى وصلنا إلى سحابة شديدة البياض فجلسنا على أحد أطرافها وقد تدلت أرجلنا تتأرجح في الريح.
أشار تحت أقدامنا وقال:
_أنظر دون سؤال.
_ ما هذا بحق الله؟!
_قلت لك انظر دون سؤال!
وإذا بشابين يافعين يبدو أنهما توأم وقد أمسك كل منهما بعصىً غليظة تسقط فوق رأس الآخر ونافورتان من الدم تندفعان لتصبا تحت أقدامهما وجمع من الناس يتحلقون حولهما يهللون.
ظهرت ملامح الأسى والحزن على وجهي مختلطة بغضب مكتوم.
أشار إلي أن أتبعه حتى وصلنا إلى الجهة الأخرى من السحابة فجلسنا وقال لي بغضب:
_أنظر دون سؤال.
أومأت برأسي، ونظرت تحت قدمي فإذا برجل قوي البنية يرتدي جلبابا أبيض وعقالا وفي يده اليسرى إبريقا به ماء وفي يده اليمنى كوبا يصب الماء من الإبريق في الكوب ثم يسكبه في البحر و إلى جواره رجل يجثو على ركبتيه يلهث من شدة العطش ويمد يديه طالبا جرعة ماء.
فقلت:
_لاحول ولا قوة إلا بالله! ما أخبثك رجلا ماذا لو أعطيته جرعة ماء يروي بها عطشه؟!
نظر إليّ الشيخ وأمسك يدي وقال:
_اتبعني.
انتقلنا إلى جهة أخرى ونظرت تحت قدمي فإذا بجمع غفير من الجنود يتحلقون في دائرة كبيرة ثم يضرب بعضهم بعضا فتتحول الدائرة إلى مربعات ومستطيلات ومثلثات أصغر وعلى أضلاعها الجنود يدافعون عن الرقعة الصغيرة التي وقفوا عليها، رفعت رأسي قليلا لأجد مجموعة من الجنود وراء البحر وقد وقفوا فوق رقع صغير من المربعات والمستطيلات والمثلثات يضرب بعضهم بعضا ثم تتحول هذه الرقع إلى دائرة كبيرة وحولها الجنود كل واحد يمسك في يد الآخر.
علت الدهشة والحيرة ملامح وجهي وقلت بشرود:
_ما هذا أنا لا أفهم شيئا أرجوك يا شيخ……
ثم نظرت ناحية الشيخ وقد قام دون أن أشعر يفتح بابا في السحابة يختفي وراءه وصوته يرن في أذني:
_أفق فقد حان وقت اليقظة.
أفقت من عفوتي أفرك عينيّ، أنفض آثار النوم، أتلفت يمينا وشمالا باحثا عن الشيخ فلم أجده، يتناهى إلى مسامعي صوت مذيع النشرة يعلن نبأ قيام الحرب.
Discussion about this post