بقلم دكتور … عاطف معتمد
جرجي زيدان..رواية تعليمية بأطياف التاريخ وبانوراما الجغرافيا
في مذبحة القلعة التي غدر فيها محمد علي بالمماليك – ممن جاءوا ليباركوا خروج ابنه إلى حملة الحجاز – لقى الجميع مصرعهم وفق منهج الغدر المحكم الذي أرساه الباشا وأصبح فيما بعد أكبر أدواته لبث الرعب في نفوس الشعب المصري. واحد من هؤلاء المماليك أفلت من المذبحة بأعجوبة وظل مطاردا شريدا وتفرق شمل زوجه وبنيه.
واقعة هذا المملوك الذي أفلت من المذبحة تكاد تكون نواة تاريخية صلبة نسج حولها الأديب الكبير جرجي زيدان رواية “المملوك الشارد”.
على طريقة ألف ليلة وليلة، التي تتولد فيها حكاية صغيرة من رحم حكاية أولى، تتشعب الحكايات، ويتفرق الأبطال جراء فواجع تشتت شملهم، ثم يلتقون في النهاية السعيدة في خاتمة الأمر.
وخلافا لمن كتبوا روايات تاريخية فوقعوا في أسر الحوارات الرأسية بين الأبطال دون حراك أفقي، فإن جرجي زيدان صنع هنا بانوراما من مسرح جغرافي واسع المدى، يمتد من بلاد اليونان وبلاد الشام مرورا بجبل لبنان وسواحل فلسطين وصولا إلى صحراء مصر الشرقية والسودان.
الأماكن التي لها دور البطولة وتتمتع بوصف دقيق ساحر ونابض تلك المترامية في لبنان وعكا وسواحل فلسطين (ولد جرجي زيدان في بيروت عام 1861).
لا نستطيع القول إن المعلومات الجغرافية التي أوردها زيدان عن مصر وتوزيع القبائل دقيقة مناسبة للحقيقة دوما، خاصة في حديثه التفصيلي عن سكان الصحراء الشرقية والعبابدة منهم على وجه الخصوص،
كما أن المؤرخين بوسعهم تسجيل بعض اختلافات عما جاء في الرواية مقارنة بالوثائق التي أفرجت عنها الدول الكبرى بعد مرور أكثر من 130 سنة على صدور هذه الرواية (صدرت في عام 1891).
ومع ذلك، لا يمكن أن تسجل اعتراضا واضحا على الرواية لأنها ببساطة استفادت بالجغرافيا والتاريخ في صياغة محفزات للتنقل بين الأحداث المهمة التي ظهر فيها إبراهيم باشا في مصر وبشير الشهابي في لبنان والصراع على الشام بين مصر والعثمانيين.
الرواية أيضا تقترب مما يسميه بعض النقاد بالرواية “التعليمية” أي أن الأبطال يسردون فيها معلومات تاريخية وجغرافية أقرب إلى المعارف المدرسية لتعريف القارئ.
الرواية التي لا تزيد عن 140 صفحة ستأخذ منك ما بين 6 إلى 8 ساعات في متعة مضمونة ولغة راقية، وهي متوفرة في نسخة كاملة PDF في حلة بهية في أول تعليق.
Discussion about this post