هناك فنانون يظهرون كثيرا ويرحلون دون أن يتركوا أي أثر يستوقفنا أو يستحق الذكر، وبعضهم يترك أثرا يجعله خالدا يستعصي على النسيان، وبعضهم يقف في منتصف الطريق لا هو بخالد الذكر ولا هو منسي، والفنان الكبير إبراهيم الشامي يعد واحدا من نجوم فن التمثيل الذين تركوا أثرا خلدهم في ذاكرة محبيهم وجعلهم يستعصون على النسيان، فهو فنان ينتمي إلى جيل العظماء حيث كان واحدا من نجوم المسرح القومي، ورغم قلة أعماله وصغر مساحات أدواره، إلا أن هذه الأدوار قد ظلت خالدة ومحفورة في ذاكرة محبيه، فمشاهده المعدودة في الأفلام السينمائية لا تنسى، فمن منا مثلا ينسى مشهد النهاية الشهير في فيلم “الأرض”، أو مشهد قتله لابنه منصور بيده في نهاية فيلم “إعدام ميت”، وجملته الخالدة: “بإيدي أطهرك من الخيانة يا ولدي”.
والفنان الكبير إبراهيم الشامي كان وبحق واحدا من الفنانين الملتزمين المعدودين، والكبار حقا قيمة وقامة، وقد عرف واشتهر بأدائه القوي، الذي يجذب إليه الأنظار ويلفت إليه الانتباه، رغم صغر أدواره وقلة مشاهده، وتعتبر مشاهده القليلة في الأفلام السينمائة التي شارك فيها بمثابة ماستر سين لهذه الأفلام، وربما يتذكرها الكثيرون منا مثلما يتذكرون أبطال هذه الأفلام وربما أكثر، ورغم أن الكثير من المواقع والصفحات الإلكترونية تذكر أن الفنان إبراهيم الشامي قد ولد في يوم 21 يناير سنة 1921، إلا أنه بالتواصل مع ابنته الصديقة الأستاذة ثناء الشامي أخبرتني أن والدها قد ولد في يوم 3 يوليو سنة 1921، كما أكدت لي أنه قد توفي في يوم 5 سبتمبر سنة 1990، وليس في يوم 13 سبتمبر كما تذكر الكثير من المواقع والصفحات.
والصديقة الأستاذة ثناء الشامي بنت الفنان الكبير إبراهيم الشامي شرفت بإجراء حوار معها نشر في مجلة “سحر الحياة” الإلكترونية، وقد أبدت في ذلك الوقت دهشتها واستغرابها مما تفعله هذه المواقع والصفحات، حيث قالت لي: “بصراحة أنا لا أعلم لماذا تستسهل هذه المواقع والصفحات، ولا تحاول أن توثق هذه المعلومات توثيقا دقيقا؟!”، والجدير أن الفنان إبراهيم الشامي قد بدأ رحلته مع التمثيل في شبابه المبكر، حيث شارك في فرقة الإخوان المسلمين المسرحية، وهي الفرقة التي شارك فيها في ذلك الوقت كثير من الفنانين المصريين، وكانت أعمال هذه الفرقة في ذلك الوقت تعد أعمالا فنية فقط، وليست لها أية ميول سياسية.
وبعدها بفترة التحق بالمسرح العسكري، ولم يكتف بكونه عضوا في فرقة المسرح العسكري فقط، بل إنه التحق بالجيش المصري، وتحديدا بسلاح الصيانة، ثم انتقل إلى الشئون المعنوية، وظل يترقى بالجيش حتى وصل إلى رتبة الصاغ، وقد ترك الخدمة في الجيش لأنه لم يستطع التوفيق بين عمله بالفن وعمله في الجيش في نفس الوقت، والجدير بالذكر أن الفنان إبراهيم الشامي قد سافر إلى فلسطين في شبابه المبكر، وذلك قبل انضمامه إلى صفوف الجيش المصري، حيث انضم هناك إلى كتائب الفدائيين التي حاربت العصابات اليهودية في ذلك الوقت.
ومن المواقف المؤثرة في حياة الفنان الكبير إبراهيم الشامي، أنه في سنة 1985 كان قد ارتبط بالعمل في مسلسل “غوايش”، وكان يستعد للسفر إلى تونس لتصوير بعض المشاهد الخارجية هناك، وفي نفس الوقت كان ابنه محمود يستعد للسفر إلى اليونان لقضاء شهر العسل، وحدث أثناء عودة ابنه محمود من اليونان، أن تم اختطاف الطائرة التي تقله من قبل بعض الإرهابيين، الذين توجهوا بالطائرة إلى مالطا، وهو الحادث الشهير الذي انشغل به العالم كله في ذلك الوقت، ويومها لقي ابنه محمود مصرعه حيث قتله الكوماندوز المصريون الذين ذهبوا لتحرير الطائرة، وذلك بعد أن نجح في الخروج منها حيث ظنوا أنه أحد الإرهابيين الذين قاموا بخطف الطائرة، وبالطبع أثر هذا الحادث كثيرا على نفسية والده الفنان الكبير إبراهيم الشامي.
ولكن ما آلمه وأثر في نفسيته كثيرا وأحزنه أكثر وأكثر، هو ما حدث بعد ذلك، حيث قامت بعض الصحف المصرية بنشر صورة لجثة ابنه محمود بعد مصرعه، وكتبت هذه الصحف تحت الصورة أنها صورة أحد الإرهابيين، وأشار البعض على الفنان إبراهيم الشامي في ذلك الوقت أن يرفع قضية على الدولة المصرية وعلى الجرائد التي نشرت الصورة، ولكنه رفض ذلك وسلم أمره لله، ولكنه في نفس الوقت رفض تماما أن يتم تكريمه من قبل رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، وقال الفنان الكبير إبراهيم الشامي يومها: “أنا لا أضع يدي في يد من قتل ولدي”، والغريب أنه في مسلسل “غوايش” الذي صوره في نفس التوقيت قام بأداء دور الشوادفي الذي يتم قتل ابنه، وفي الحقيقة يحدث أن يتم يلقى ابنه محمود مصرعه، وهو ما زال عريسا جديدا في شهر العسل، ولم يمض على زواجه إلا 17 يوما فقط.
والفنان الكبير إبراهيم الشامي كان يسكن في بيته الواقع في ملتقى شارع الخرنفش بشارع المعز لدين الله الفاطمي، وهذه المنطقة كانت منطقة شعبية عامرة بالآثار الإسلامية القديمة، وقد ارتبط الفنان الكبير بالمنطقة وأهلها ارتباطا وثيقا، لدرجة أنه كان يقول: “أنا لو خرجت من هنا هأموت”، وبالفعل بعد أن ألح عليه أولاده كثيرا أن يترك شارع المعز، وينتقل للإقامة معهم في الفيلا الخاصة بالأسرة على نيل القناطر الخيرية، ولكنه وكما قال لأولاده توفي إلى رحمة الله تعالى بعد أن ترك شارع المعز لدين الله بسنة واحدة أو أكثر قليلا.
Discussion about this post