بقلم دكتور … عاطف معتمد
وصلتني الشهر الماضي هدية معتبرة تضم نوعين من القهوة المحوجة وثلاثة أنواع من الشاي.
اخترت هذا المساء من الهدية شاي بالفواكه.
هناك عديد من الدول في العالم لا تشرب الشاي إلا بطعوم الفواكه.
أذكر مثلا في سلوفينيا المتفككة عن يوجسلافيا السابقة فإنك إذا طلبت شاي فإن الذي يأتيك دوما شاي بالفواكه كهذا الذي يظهر في الصورة. وإذا كنت تريد “شاي أحمر” تقليدي فلابد أن تقول باللغة المحلية “تشِرني تشاي” (شاي أسود) بصوت واضح ومسموع.
في الهند كنت إذا طلبت شاي يأتيني دونما سؤال “شاي بحليب” مع نكهة القرنفل والهيل، وإذا أردت الشاي الأحمر المصري التقليدي لابد أن أطلب بصوت واضح ومسموع “شاي أسود بدون حليب”.
في موسكو يحضر الشاي الصيني باعتباره أجود أنواع الشاي. أحد أشهر محال بيع الشاي في وسط العاصمة يعرف باسم “بيت الشاي” يضم على أرففه ما لا يقل عن 50 نوعا مختلفة الطعوم والنكهات والروائح. ويباع الشاي في هذا البيت بالجرامات. يمكنك ان تتخير “100 جرام” من هذا الصنف أو ذاك كي تجرب وتتذوق وتعود مرة أخرى لتشترى كمية أكبر.
في سنوات دراسة الدكتوراه في روسيا قبل ربع قرن كنت أتشارك غرفة الجامعة مع شريك، تارة أوروبي وتارة آسيوي.
ذات مرة كان شريكي في الغرفة من الصين، أحضر من بلاده مرة نوعا من الشاي معه “أرز محمص”. بعد أن يصب الشاي في الإناء يوضع الأرز المحمص فوق الشاي فيطفو دون أن يغوص لأسفل، ارتشاف الشاي هنا يقدم وجبة خفيفة تشبع الجائع وترفع التركيز.
شهدت في صباي في صعيد مصر عند بعض أقاربي طقسا شبيها، كان الفول السوداني المحمص يحل محل نظيره الأرز الصيني .
لا يجب أن نتعجب من هذا ، الحياة أعقد مما نتخيل، والطقوس الاجتماعية بالغة التنوع، والفقر والغنى يوجهان الإنسان إلى طعامه وشرابه.
لكن الذي أتعجب له حقا هو رداءة طعوم الشاي في مصر هذه الأيام التي أصبح الشاي معها تجربة بائسة في كثير من الأحيان.
طعوم الشاي الردئ على المستوى الشعبي هي المسؤولة عن صعود أعداد مستهلكي القهوة في مصر إلى ملايين المستهلكين.
لم يصعد هؤلاء حبا في التركيز ولا رغبة في سماع فيروز بل لأن القهوة لها مذاق مميز يحافظ على شخصيته بعدما تدهور مذاق الشاي في مصر إلى غير رجعة.
الضغط على القهوة وارتفاع أسعارها يخلق أيضا أنواعا رديئة، ستمر القهوة في مصر أيضا بنفس مشكلة الشاي، وستصبح بعد فترة نخبوية وشعبية، وستغمر الأسواق قهوة رديئة وتنحسر القهوة الجيدة وتصبح قاصرة على من يدفع أكثر.
الشاي مشروب بالغ الرهافة، يحتاج مياه نظيفة خالية من الكلور ، كما لا تصح معه مياه الفلتر، ولا تنفع معه المياه المعبأة أو المعدنية.
لقد تأسس الذوق المصري التقليدي على الشاي المعد من مياه النيل النظيفة الخالية من أية إضافات كيمائية أو ملوثات.
يعرف الناس في الريف المصري ان عبارة التحية الشهيرة لكل عابر سبيل أو جار أو أحد سكان الحي هي “اتفضل اشرب شاي,,,تعال والله…الشاي ع النار”
كانت دعوة الشاي مخلصة جدا، تحمل كرم الفقراء والأغنياء دون تمييز، يجلس الناس حول الشاي الممتع المحلي بالسكر البني وبالنعناع ويتسامرون في حلو الحديث..ويضحكون ملء عيونهم” .
Discussion about this post