بقلم دكتور … عاطف معتمد
الديك الفصيح في البيضة بيصيح !!
سمعت هذا المثل أول مرة في عام 1990 في السنة قبل الأخيرة من إنهاء دراستي الجامعية.
كنا في مدرج 303 في حضرة أستاذة جليلة تقرأ علينا مقرر جغرافية القارة الإفريقية. نظرت أستاذتنا إلى واحد منا وقالت له “أنت واعد ..سيكون لك مستقبل كبير”.
لاحظت أستاذتنا نظرات الغيرة والدهشة لدى كثير منا فقالت للجميع:
“لم العجب ..ألا تعرفون المثل الشعبي: الديك الفصيح في البيضة بيصيح؟
يؤسفني أن أقول إن نبوءة الأستاذة الجليلة لم تتحقق، فخلال 33 عاما من ذلك التاريخ تعثر الديك الفصيح الذي كان حقا في البيضة بيصيح.
تذكرت اليوم هذه الحكاية وأنا أناقش رسالة ماجستير لطالب واعد في إحدى الجامعات في الدلتا المصرية.
كان الطالب حقا متميزا، مجتهدا يأخذ بأسباب البحث ويحفظ الأمانة العلمية، عمل في الميدان بمثل ما قرأ في المراجع، وقد تمنيت له أن يحافظ على مستواه وعلى بشائر التميز في المستقبل.
ثم سألت نفسي في ختام المناقشة العلنية ” ما الذي يضمن أن يستمر هذا الديك الفصيح في المستقبل محافظا على هذا التميز؟”
الحقيقة أن مهنة الباحث والأستاذ الجامعي حافلة بالمخاطر التي تخطف المتميزين وتستهدف الديوك النابهة التي كانت تصدح في الصغر.
بعض المخاطر الخاطفة حتمية مثل ضغوط الحياة والسعي إلى الكسب المادي والطموح للصعود في السلم الاجتماعي والسفر إلى بلاد عربية ثرية تضيع معها بوصلة الهوية والانتماء، وتتكرس بعد العودة معالم التقوقع من أجل حياة كريمة فاترة.
بعض المخاطر إدارية تخطف الباحث وتأخذه في دهاليز تجعله بعد فترة قصيرة يغسل يديه من العلم ويتفرغ لشكليات ومظهريات.
وبعض المخاطر سياسي قد يضيع معه مستقبل الأستاذ الجامعي ويتم حصاره في أضيق دائرة من التأثير.
بعض المخاطر بنيوية في نفس الباحث ودواخله، كأن تكون عنده عيوب غرور أو مبالغة في الثقة في النفس.
بعض المخاطر كارثية كفشل في زواج أو تعثر في حب أو انفصال اجتماعي أو تبعثر أسري.
بعض المخاطر تشبه كل البيئات في مصر لكنها في الجامعة بالغة القسوة، تلك التي نسميها “نيران صديقة” !
بعض المخاطر قدرية كاعتلال في صحة أو مرض وبعضها نفسي كحالات اكتئاب وإحباط مبالغ فيه تغرق الباحث في يأس وقنوط ويتبخر معها الشغف جراء المناخ العام.
لكل هذه الأسباب دعوت اليوم للباحث الذي حصل على درجة ممتاز في رسالته للماجستير أن ينجيه الله في المستقبل من هذه العوامل الخاطفة، فيظل يصيح ويصدح، ويظل واعدا، ولا تتخطفه واحدة أو أكثر من تلك العوارض السابقة التي تتوالى كسهام تريد إصابة الصادح الواعد في هذه المرحلة العمرية أو تلك.
Discussion about this post