للشاعرة المصرية /منال رضوان. بقلمي / عوني سيف ، القاهرة.
النص :
قربان لا تأكله النار
قائمة الأشياء البغيضة
لم أعد أطيق النظر إلى الكأس الفارغة
مرآة لا تعكس غير صورتك
شبح مدينتي القديمة بلا مطر
ظلال الموتى يتحلقون حول مائدتي..
يغترفونني كل مساء
انتصار الرؤى الكاذبة؛
مخافة تأويلها كل حين
حصاد أمنيات لا تجىء
قرابين سنواتي العجاف
ثرثرة نسوة طاولة الأحد
نظراتهن الذابلة إلى بقعات مرتجفة
خشيتهن لعنة الطهر الأبدي!
و……….
ما أكثر الأشياء التي بت أبغضها
ألف باء
خ ذ ل ا ن
جميعها بدت كمشنقة مدلاة
على حافة سطر أخير… مـ .
القراءة :
عتبة النص تحتاج إلى الكثير من الوقفات النقدية؛ فاستحضار صورة قربان لا تأكله النار ، صورة رائعة تعبر عن هزلية الأمل أو فقدانه عند النفس البشرية، فعندما لا تأكل نار الإله القربان فهذا إيحاء بعدم الرضا عن قبوله، وصعوبة الانتظار من قِبّل مقدم القرابين.
من عتبة النص، نعرف بعض الشيء عن ما يجول بخاطر الشاعرة الجميلة الفريدة منال رضوان، وهى مشاعر عدم رضا فى قبول انتظار الحلول، التى ربما لا يمدها للنفس البشرية سوى الإله.
“قربان لا تأكله النار” صورة شعرية جديدة وجميلة في الشعر المعاصر ، مستوحاة من علاقة الشخص بالاله في العهد التوراتى القديم، هي أيضًا صورة شعرية تدل على سعة ثقافة الشاعرة للتراث الدينى فى الديانات السماوية الإبراهيمية.
تتوالى صور مشاعر عدم الرضا و الملل فى السطور الأولى من النص، فمن النظرات البغيضة عند الشاعرة:
منظر الكأس الفارغة، و مدينة بلا مطر، و ظلال الموتى، و انتصار الرؤى الكاذبة، و مخاوف النفس العديدة التي لها تأويلات مختلفة.
بكل هذه الصور تغوص منال رضوان داخل النفس البشرية وآلامها، ومشاعرها المضطربة فى هذا العالم المادى الأليم. وتعبر الشاعرة عن هزلية المشهد الذى يعيشه الإنسان المعاصر.
وتمتد صور مشاعر عدم الرضا في، حصاد أمنيات لا تجئ، وقرابين السنوات العجاف، والنظرات الذابلة.
بهذه الصور تغوص و تغوص منال رضوان فى التيه البشري واضمحلال المشاعر الإنسانية فى زمن تحكمه الماديات ولا يجود إلا بالقليل من المشاعر
وشد قلمي وانتباهي صورة شعرية جميلة، وهى الخشية من الطهر الابدي؛ فالطهر الأبدي عمليًا غير موجود فى النفس البشرية، بل هى ترنو إليه من بعيد.
وفي الخاتمة، وصفت الشاعرة الخذلان بأنه كمشنقة مدلاة، وهي صورة جميلة أختم قراءتي بها؛ فالخذلان فى وقتنا الحاضر فعلًا يشبه المشنقة المدلاة بالنسبة للنفس البشرية وخصوصاً مرهفة الحس منها.
أما اللغة عند الأديبة بها التوظيف الممتاز للمفردات التوراتية في وصف حالة النفس البشرية. و هذا التوظيف الجديد في الشعر المعاصر، سبقها إليه بعض الشعراء مثل قباني ودرويش فى وصف حال الأمة العربية سياسيًا باستخدام مفردات مستعارة من التراث الدينى لمنطقتنا العربية، مهد الديانات.
لكنني كناقد أحببت درويش؛ لأنه تخطى مرحلة استحضار الصور، بل نادى على ”حبقوق” النبي فى أحد نصوصه ، لكي يجعله شاهدًا على ما يفعله المحتل بالفلسطينيين.
Discussion about this post