كتب …محمد محمود
عبد اللطيف ابو رجيلة او “امبراطور الأتوبيس” ، والذي ارتبط اسمه بالعصر الذهبى لأتوبيسات النقل العام بالقاهرة وهو احد أشهر رجال الاقتصاد والأعمال منذ الأربعينيات وحتى الستينيات ، هو ابن مدينة إسنا الصعيدية، المولود في أم درمان في السودان ، تلقى تعليمه بالقاهرة ، فالتحق بمدرسة السعيدية، ثم مدرسة التجارة العليا، وبعد تخرجه التحق بالعمل فى بنك مصر . كان أبورجيلة يعتبر نفسه تلميذاً في مدرسة طلعت حرب ، واستفاد كثيرا من تجربته الاقتصادية .
سافر ابو رجيلة إلى لندن وروما ، وزار العديد من الشركات والوكالات التجارية ، وعقب عودته إلى مصر استقال من بنك مصر، ليشق طريقه فى مجال الأعمال .
دخل “أبورجيلة” مجال الاستيراد والتصدير، برأسمال قيمته 34 جنيهًا ، واشترى آلة كاتبة ومكتبًا وطوابع بريد وعيّن موظفًا يعينه في أعماله ، وذلك بمرتب لا يزيد على 5 جنيهات في الشهر ، لينطلق في مشروعه الجديد .
فى البداية عمل فى توريد الحاصلات الزراعية وتوسع فى أعماله بإيطاليا محققا نجاحات رائعة ، واستطاع ان يكون ثروة طائلة، ولكنها ضاعت فى غارات الحرب العالمية الثانية، فكانت ثروته كميات كبيرة من البضائع بالموانئ الإيطالية ، لم ييأس ابو رجيلة وبدأ مرة اخرى من الصفر ، عاش فى إيطاليا عدة سنوات تزوج خلالها من سيدة تنتمي لأسرة مصرية تُدعى “لندا” ، لكن لم ينجبا، وعاد إلى مصر للمرة الأولى عام 1949، واشترى قطعة أرضٍ في وسط القاهرة مساحتها 6 آلاف متر، وكذلك مزرعة بمساحة 400 فدان في عين شمس .
وبعد أشهر من قيام أحداث يوليو 1952 عاد “أبورجيلة” إلى إيطاليا، لكن استدعاه عبداللطيف البغدادي، وزير الشؤون البلدية عام 1954، وطلب منه أن يتولى أتوبيس القاهرة ، وعلى الفور بدأ “ابو رجيلة” فى تنفيذ مهمته ، وقام باستيراد 400 سيارة أتوبيس فاخرة تقدم خدمة راقية بمواعيد منضبطة ومنتظمة ، وأدخل خدمة الراديو فى الأتوبيسات ، ليصل أتوبيس القاهرة تحت إدارة “أبورجيلة”، إلى مستوى غير مسبوق ، وكان ينقل ١٣ مليون راكب شهريًا من خلال شركة تضم ٤ آلاف موظف .
كان أبورجيلة يتخفى ويركب الأتوبيس على الاقل مرة واحدة كل شهر ، لمراقبة نظام العمل ، وليرى بنفسه كيف يتعامل موظفي شركته مع الركاب ، واحتد ذات مرةٍ على سائق تجاوز محطة من المحطات المقرر له حتى يقف فيها ، كانت أنظف حافلات في مصر، كما نراها في فيلم “الكمساريات الفاتنات” بطولة إسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي ونجاح سلام .
بنى أبو رجيلة ثلاث جراجات حديثة للأتوبيسات عند مدخل القبة وعند نفق الجيزة ، وفى بولاق أبو العلا مزودة بورش الصيانة ومحطات التشحيم ،وأنشأ مصنع لتيل الفرامل واليايات . وكان قد أوصى عام 1956 بضرورة تنفيذ مترو الانفاق وكان سيتكلف 6 ملايين جنية ، وبالفعل كانت هذه الفترة هى العصر الذهبى للنقل العام بالقاهرة .
تولى “أبورجيلة” رئاسة نادي الزمالك في 1956 ، حصل النادي على بطولة الدوري لأول مرة في تاريخه منذ ان نشأ عام ١٩١١. وفي تلك الفترة ارتفعت ميزانية النادي من 6000 جنيه إلى 18000 جنيه ، ودخل الزمالك فترة جديدة انتعش فيها ، وقد تبرع ابو رجيلة من ماله الخاص لبناء مقره في ميت عقبة عام 1958.
ولهذا الرجل مواقفه الوطنية :
– عقب حرب فلسطين 1948 لم يتردد ابو رجيلة فى تقديم الدعم للجيش المصري ، وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي عام 1956، بادر إلى وضع حافلات شركته تحت تصرف القوات المسلحة ، وتكفل بمسؤولية تموينها ودفع أجور سائقيها . وعندما طلبت منه وزارة الحربية تمويل صفقات الأسلحة التى كان الحظر مفروضا عليها بعد حرب 1956 ، استجاب أبو رجيلة للطلب .
وعندما حاول “أبو رجيلة” أن يحول إلى مصر بقية أمواله الموجودة في إيطاليا ، وواجه تعسفا في هذة المسألة ، تقدم “ابو رجيلة” بطلبا رسميا إلى الحكومة المصرية لمساعدته فى استعادة أمواله من إيطاليا ، وذلك بأن يوكل لها إسترداد أمواله فى صورة بضائع يصدرها الى مصر وكانت عبارة عن ماكينات لاعمال الطرق بمبلغ 35 ألف جنيه عام 1955 ، وفى 1957 عاود “ابو رجيلة” تقديم الطلب بحيث تكون قيمة التحويل مائة ألف جنيه ، وأعرب عن استعداده لتحويل جميع إيراداته إلى مصر .
وعلى الرغم من كل ما تحمله مواقف ذلك الرجل من وطنية وحب شديد لبلده ، وانه يضع المصلحة العامة فوق مصالحه الشخصية ، إلا انه كان من ضمن الاشخاص الذين عصفت بهم قرارات التأميم ، ليتم تحويل شركة الأتوبيس الخاصة به إلى ( هيئة النقل العام بالقاهرة) عام1961 ، ليترك ابو رجيلة بعدها مصر ، ويعود إلى إيطاليا .
وفي منتصف السبعينيات يعود “ابو رجيلة” مرة اخرى إلى مصر ، ليعيش بقية عمره حزيناً على إهدار تجربته في مصر ، والتي كان يتمنى أن تتم في بلاده .
Discussion about this post