بإفتراض إنسان يمتلك إدراكا معرفيا كاملا، إنسان مكتمل الجسد والعقل، والسؤال، ما الذي يمكننا حذفه بينما يمكننا الإحتفاظ بعقل مدرك، تجارب فكرية كذلك، قد تساعدنا في التصويب بدقة نحو المعنى الحقيقي للنظام المعرفي.
أي شخص من يمتلك جسدا وعقلا مكتملين، ونحن نتفهم ذلك بطريقة يومية إعتيادية بالطبع، لكن البعض منا قد لا يكون مكتمل الجسد، قد يكون فاقدا ليد أو ساق مثلا، ربما كان هذا نتيجة لحادثة ترتب عليها إجراء عملية بتر، فلنأخد مثالنا فتاة كاملة الأطراف، الآن نستطيع أن نسأل، هل كان سيشكل فارقا فيما يتعلق بقدرتها على التفكير أو التخيل أو التذكر، أو المشاركة في معظم التمارين المعرفية لو أنها كانت فاقدة لواحد أو أكثر من أطرافها؟ حقا، لا يبدو أننا بحاجة لكل أطرافنا للإنخراط في العملية المعرفية… لذا، دعنا نتخلص من هذه الأطراف… وصولا إلي هذه النقطة، فإنه يمكننا بالمثل التخلص من كل أجزاء الجسد الخارجية… تلك التي يبدو أننا لا نحتاجها من أجل ممارسة التفكير… وإستمرارا في هذه التجارب الفكرية، فإنه عادة ما ينتهي بنا الحال بالإقتصار فقط على العقل ( الدماغ )، حيث أنه حتى المدخلات الحسية يمكننا توفيرها إصطناعيا… على سبيل المثال، فإنه يمكننا بشكل مباشر تحفيز المناطق العقلية المسؤولة عن تسجيل المعلومات الحسية، وبذلك، يمكننا إفتراضيا إمتلاك نفس الخبرة التي كان من الممكن إكتسابها لو كانت أعضاؤنا الحسية هي التي تستقبل تلك المعلومات…
هذه التجربة الفكرية الشائعة يشار إليها باسم ” المخ في وعاء” والصورة الذهنية هي لمخ عائم في وعاء ملئ بالمواد الكيميائية، وعلى قيد الحياة عن طريق التغذية الإصطناعية، وفي حالة من الوعي عن طريق العديد من الإلكترودات ( الأقطاب الكهربائية ) التي تحمل معلومات عن هذا العالم، أو تحمل أي معلومات يتفتق إليها ذهن هذا الرجل العالم المجنون الذي يجري التجربة.
عام 1981م، أخذ ” دانيت ” هذه التجربة خطوة أخرى إلى الأمام، فهو يروي لنا حكاية إرساله في مهمة تشمل إزالة مخه، ومن ثم تخزينه في وعاء، مع إبقائه متصلا بالجسد عن طريق موجات الراديو… مع ذلك، فإن مهمة دانيت تلك كانت خطرة، وفي خلال تلك العملية، فإن جسده يتوقف عن وظائفه البيولوجية، وفي حقيقة الأمر فهو يموت… مع ذلك، فإن مخه لا يزال حيا في الوعاء، وبطبيعة الحال، فإنه يقول منزعجا :
” لقد إجتاحتني موجات من الهلع والغثيان، والتي إزدادت حدتها بسبب غياب الظواهر الطبيعية المعتمدة على الجسد… فلا أدرينالين يندفع بوخز في الأذرع، ولا قلب يخفق، ولا إفراز منبه للعاب… لقد شعرت بكثير من الرهيبة غارقا في أحشائي في مرحلة ما… ولقد خدعني هذا لحظيا وجرفني للآمال الكاذبة بأنني كنت أمر بإنعكاس للتجربة التي هبطت بي إلى هذا المأذق _ حالة من التحرر اللامدرك حسيا… لكن عزلة هذه الحالة وتفردها سرعان ما أقنعاني أنها فقط البداية لطاعون من الهلوسة الجسدية الوهمية… فأنا أعاني كمثل أي شخص آخر مبتور الأطراف. “
بمرور الوقت، يزود دانيت بجسد جديد، والذي يجده عصيا على التحكم، لكنه بعد فترة من التكيف، يبدو جيدا… يعتقد دانيت بأن هذا الأمر ربما يشبه إجتياز جراحة تجميلية مكثفة أو عملية تحول جنسي… لكنه يكتشف في وقت لاحق، بأن التقنيين قد قاموا بنسخ الهيكل الوظيفي لعقله وكل المعلومات بداخله إلى برنامج كمبيوتر، وبأنه متصل بشكل مضاعف _ بعقله _ وبنقرة واحدة على محول كهربائي ( مفتاح مفصلي ) إلى الكمبيوتر الذي يشغل عقله الإصطناعي
…. وبأنه قادر على تحويل المفتاح بين عقله والكمبيوتر، لكنه غير قادر على معرفة الفرق في تجربته.
المغزى في هذه القصة، لو كان لنا أن نتتبع خط دانيت المنطقي، ونقوم بوضع هذه القصة مع الخط المعياري لفكرة المخ في وعاء هو أن الجسد ليس فقط غير أساسي للخبرة والمعرفة، لكننا أصلا لا نحتاج إلى العقل، ما دام لدينا برنامج الكمبيوتر، والمعلومات يتم تشغيلها على العتاد الكمبيوتري المناسب… هذا يشكل منظورا وظيفيا وفقا لأية معالجة معلوماتية لشبكة عصبية إصطناعية يمكنها توليد نفس الخبرة العقلية التي يمكن توليدها عن طريق العقل وحده… فما يهم ليس هو التجسيد المادي ( على الرغم من أن هذا يؤخذ في الإعتبار بكل تأكيد، لأنه قد يشكل فارقا لو أننا جربنا تشغيل البرنامج على MAC، أو على حاسوب شخصي فضلا عن تشغيله على جهاز الكمبيوتر الشبكي _ العصبي المعقد )، بالأحرى، فإن ما يهم هو برنامج الكمبيوتر والمعلومات التي تشكل الجزء الأساسي من النظام المرجعي منه أن يعيد توليدي وتوليد حياتي المعرفية… بمجرد إمتلاكنا للمعلومات الصحيحة وتناسخ الجمل العقلي المضبوط، فإنه حينها ينبغي أن نكون قادرين على توليد خبرتك المعرفية بداخل أية آلة يمكنها تشغيل هذا البرنامج.
Discussion about this post