نورا عواجه
محمد قنديل صاحب الحنجرة ذات الألف مقام
يوم ٨ يونيه ٢٠٠٤ اذاعوا خبر و فاة عم محمد قنديل و أقيمت الجنازة اليوم التالي ٩ يونيه رحمة الله عليه و بمناسبة ذكرى رحيله ال ١٩ تعالوا نفتكر الصوت اللي أجمع عليه الكل، و باعتبره مطربي المفضل من الرجال بعد عبد الوهاب.
بدايةً عم قنديل محمد حسن ولد في ١١ مارس ١٩٢٩ في حي شبرا بالقاهرة، لأسرة تعشق الموسيقى و الغناء، جدته هي المطربة سيدة السويسية، و كان والده محمد حسن عازف قانون و مدرس بمعهد الموسيقى، و ابن عمته المطرب عبداللطيف عمر، و جوز عمته الملحن محمد عمر، و كانت و الدته من المستمعات المميزات، يعني نشأ في جو فني من بدايته.
ظهرت موهبة قنديل الغنائية بدري، لدرجة ان أم كلثوم التفتت له و هو طفل فاشترك في كورال أغنية “القطن” مع أم كلثوم في فيلم “عايدة” عام ١٩٤٢ و هو عمره حوالي ١٣ سنة، بعدها التحق بمعهد الاتحاد القومي للموسيقى بتوصية من الموسيقار محمد عبدالوهاب، وشارك في الغناء في ركن الإذاعة، و لحن له أستاذه الموسيقار علي فراج أغنية “يا ميت لطافة يا تمر حنة” و حققت نجاح كبير.
قنديل بلا شك هو صاحب أفضل صوت يصعب تكراره، هتلاقي القوة و الحنية الشجن و الاحساس و الرومانسية، لا يمكن تصنيفه شعبي ولا عاطفي ولا وطني لانه يصلح لكل الأنماط المختلفة و بالفعل هو قدم كل دا بقدرة عالية. اسمعه في ٣ سلامات نفس جمال ان جيتنا يا جميل بحلاوة سماح و عظمة سلي الصبح لأحمد شوقي ابن بلد اللي رايحين الغورية بحلاوة زمان.
في حديث إذاعي شهير أجري مع كوكب الشرق أم كلثوم سنة ١٩٦٥ لما سُئلت عن صاحب أفضل صوت في الوطن العربي فقالت: محمد قنديل، بعدها أكد الموسيقار محمد عبدالوهاب على كلام الست و قال انها لم تقل غير الحقيقة. أما عبدالحليم حافظ ورغم ان كان فيه خلافات بينهم حكيناها لما قدمت قصة أغنية يا رايحين الغورية فقال حليم عنه “إنه المطرب الوحيد اللي لا يخدع الأذن، لأن قدراته الغنائية تصل إلى ألف في المئة، و تتجاوز ال ٦٠ مقام، في حين لا تتجاوز قدراتنا على ٢٠ مقام فقط”. قال عنه الموسيقار فريد الأطرش إن القرن العشرين لم يشهد مولد مطرب واحد بقوة صوت قنديل لأنه ببساطة صاحب أقوى حنجرة صوتية و علينا جميعا التكاتف للحفاظ عليه لأنه جوهرة يجب صيانتها”
قدم قنديل العديد من البرامج الغنائية الإذاعية منها “سوق بلدنا” من كلمات صلاح جاهين و تلحين أحمد صدقي، و ”تلاتة في المغارة” لإبراهيم رجب و أحمد صدقي، و” الصديق” من كلمات عبدالفتاح مصطفى وتلحين محمد فوزي، و “الرجل السعيد” لإبراهيم رجب و أحمد عبدالقادر. و قدم بعد كدا عشرات الأعمال اللي تراوحت بين الأغنية الشعبية و الموال و الدور و الموشح و الأغنية السينمائية و الاغاني الوطنية و الصور الغنائية و منها “السوق” و “العباسة” و “الموكب” و”الصديق” و “أم شناف” و”العين و العافية” و “المدمس”.
سارع كبار الملحنين في الوقت دا لتقديم ألحان له بدون النظر للمقابل المادي، فغنى لمحمود الشريف” تلات سلامات”، ولكمال الطويل”يا رايحين الغورية” و “يا أهل إسكندرية”، و رياض السنباطي “اتحداك” و” دعاؤنا قسم”، ومحمد فوزي “عشان سواد العين” و “ياللي جمالك عجب” و “يا غزالة”، و أحمد صدقي “سماح” و “إن شاء الله ما أعدمك” و “رمش الغزال يانا”، و عبدالعظيم محمد “ماشي كلامك” و “خلينا ع البال” و “مركب حبيبي”، و أحمد عبدالقادر “جميل وأسمر”، و لعبد العظيم عبد الحق “سحب رمشه”، و “غزالة” لحسين جنيد تعتبر الجزء الأول من سحب رمشه، و “صبح يا جميل” لفريد غصن، و “الصبح بدري” لعزت الجهلي، و “حدوتة” لسيد مكاوي. و “أحلى بلد بلدي” لأحمد فؤاد حسن. و غنى أيضاً لزكريا أحمد و محمد الموجي الأغنية الأشهر”يا حلو صبح” و “شباكين عالنيل عنيكي” لبليغ حمدي، و “على فكرة ازيهم” و “الزعبوط” لأمين عبد الحميد و محمد قابيل لحن له مجموعة اناشيد دينية كانت بتيجي في الإذاعة في رمضان في التسعينات، و ” لوجه الله انا صايم” لوفا حسين، و لحن لنفسه كتير من الأغنيات منها “أبو سمرة السكرة”.
كمان تعاون مع غالبية شعراء الأغنية الكبار زي أحمد شوقي و أحمد رامي و صلاح جاهين و فؤاد حداد و عبدالرحيم منصور و عبدالرحمن الأبنودي و مرسي جميل عزيز و عبدالوهاب محمد و صلاح فايز و عبدالفتاح مصطفى و بخيت بيومي. و قدم أغنيات دينية زي “ألفين صلاة ع النبي” من ألحان عم عبد العظيم عبدالحق، و ذكرى ميلاد النبي نورها تجدد للشيخ سيد مكاوي، و “عاشق جمالك يا نبي” و “و الله بعودة يا رمضان” لرضا حمدي اللي لحن له “عاشق يا بنات النيل”، و غنى لحركة يوليو “الراية المصرية” و “عالدوار”، و غنى أثناء العدوان الثلاثي “يا ويل عدو الدار”، و للوحدة بين مصر و سوريا “وحدة ما يغلبها غلاب” سنة ١٩٥٨، و كان الشعب السوري بيرقص على نغماتها، غنى كمان للثورة الجزائرية “أخوانا في الجزائر محتاجين سلاح”، و غنى في كثير من الأفلام زي “العيش و الملح” و “مليون جنيه” و”ارحم دموعي”، و ظهر بصورته في فيلم “زنوبة” و “ابن ذوات” و غنى ديالوج مع شادية في فيلم “البطل” و رقصت ناهد صبري على غناه في “فلاحة بلدنا” في فيلم “القاهرة في الليل” و شارك في بطولة فيلمي “شاطئ الأسرار” و “صراع في النيل” من إخراج عاطف سالم، و قام بالبطولة أمام حورية حسن في فيلم “صحتك” إخراج عباس كامل ١٩٥٥، و شارك كمان في أفلام “عبيد المال” و “عرق جبيني” و “عزيزة” و “رجل في حياتي” ، و “عندما نحب” سنة ١٩٦٧ و كان آخر أفلامه، و قال إن التمثيل محطة و انا مهنتي الغنا مش التمثيل.
قنديل تمنى كتير ان الموسيقار محمد عبد الوهاب يلحن له و قال انا المطرب المفضل لدي عبد الوهاب و كان بيتصل بيا يقولي تعالى يا قنديل غني لي، و كنت اروح له و يفضل يدندن بالعود و انا اغني. لكن انا اعتقد ان فيه سبب خلى عبد الوهاب يعزف عن التلحين لقنديل، و لما دورت لقيت ان في احد الحوارات الصحفية سنة ١٩٥٨ صرح قنديل ان عبد الوهاب هو الفنان الأول لانه محتكر فنه لنفسه و مش بيساعد به غيره و لو بطل أنانية فنية و لحن افضل ما عنده لمطربين كتير كانوا ممكن ينازعوه على عرش الغنا و عشان كدا هو بيخاف يدي فنه لحد.
بالنسبة لحياة عم قنديل العائلية فهو اتجوز مرتين الأولى من الفنانة رجاء توفيق صاحبة الملهى الليلي “كيت كات” اللي ابتدا فيه العمل معاها بعدما اشترط عليها اعتزال العمل الفني و قفل الملهى، و المرة الثانية من ربة منزل توفيت قبله بعدة سنوات، و لم ينجب من الاتنين. سنة ١٩٩٦ أصيب بجلطة في الشريان التاجي، و سافر الى الولايات المتحدة للعلاج و لما رجع مصر، كان يتنقل بين بيته و مستشفى الانجلو لوجود مياه على الرئة.
شارك في إحياء الليلة المحمدية عام ١٩٩٩ و في نفس العام سجل للإذاعة قصيدة “النيل مهرجان”. آخر أغنيات، و قبل وفاة محمد قنديل بعام و في عام ٢٠٠٣ غنى آخر أغنياته، و كانت عبارة عن تتري المقدمة و النهاية لمسلسل “الأصدقاء” لفاروق الفيشاوي و صلاح السعدني و محمد وفيق، تأليف كرم النجار و اخراج اسماعيل عبدالحافظ، و كتب كلمات الأغنية سيد حجاب و لحنها ياسر عبدالرحمن، و حققت نجاح كبير و كان بيرددها الجميع، خاصة مطلع التتر “أدي إيدي .. مد ايدك .. جرحي جرحك .. عيدي عيدك .. ود صافي نبع وافي .. شيء كأنه نيل موافي”
كان عم محمد قنديل بيمارس في شبابه رياضة المصارعة و رفع الأثقال، و فى حوار لزوجته الأولى رجاء توفيق قالت عنه أنه رجل مستقيم عمره ما شرب خمر و لا قهوة و لا حتى سجاير، و أنه بيحرص على الصلاة و الصيام و مش بيحب الاختلاط كثير، و بيقضى أوقات فراغه فى هواياته المفضلة تربية العصافير و الطيور المنزلية و جمع آلات العود و التحف، و كان مغرم بجمع آلة العود و بيستهواه جدا جودة صناعة العود و عرفت ان بيته كان بيحتوي على عدد يزيد عن ١٠٠ عود.
توفي قنديل يوم ٨ يونيو ٢٠٠٤ عن عمر يناهز ٧٥ عام، و أقيمت الجنازة يوم ٩ و دا التاريخ المعروف لكل الناس و دفن في مدافن الأسرة في الإمام الشافعي. رحم الله عمنا محمد قنديل.
Discussion about this post