بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى
هى سفرتى الأولى بالطائرة بعد هذا العمر.. فلم تستسغ نفسى على مدار العمر الماضى السفر خارج الحدود قبل ذلك لقناعات شخصية تخص العمل والأهل والغربة،بل هى المرة الأولى التى أستخرج فيها جواز سفر،صحيح أننى استخرجته لغرض الحج لكننى كنت أظننى غير مستعد له هذا العام لكن النداء الذى أمر الله به سيدنا إبراهيم ليؤذن به فى الناس كان أسرع وصولا من حساباتى ومن تقديرى، وتيقنت كما كنت على يقين دائمامن أن الدعوة بالحج ستأتى وقت تنطلق من هناك بأمر من رب هنا وهناك، وكانت التأشيرة التى بدأت مشوارها أولا فى طريق زوجتى وحدها لكنها جاءت من حيث أراد الله وبعد مفارقات قدرية طالما تعرضت لها فى حياتى وأصابت الهدف منى دون معرفة أو حتى استعداد،وبعد محاولات من البعض وبعد حروب إلكترونية مع المواقع الخاصة بالأمر كانت كلمة النهاية السعيدة تقطع الشك باليقين وتعزز شعورا نما كطفرة بداخلى فجأة بلا مقدمات تقريبا،ثلاثة أيام كانت كفيلة بهذه النهاية السعيدة التى لم تتوافق أبداً مع حسابات مادية كانت تقطع بأن واحدا منا أنا وزوجتى هو المتاح له وحده أن يلبى النداء، وكدت أستسلم لها لكن الدعم النفسى والتشجيع اللوجستى بلغة عصرنا ـ من الأبناء والأهل ثم تمام المفاجأة بوجود اسمى بين مستحقى التأشيرةـ كل ذلك قاد خطواتنا بسيارات المودعين إلى باب المطار مساء الجمعة فى آخرفرصة للسفر قبل تقفيل الأجواء السعودية فى وجه طائرات الحجاج.. ولم أكد أصدق نفسى وأنا أرتدى جلبابا أبيض وسط الأهل المودعين لى ولزوجتى فى ردائها الأبيض أيضا ،كانت لحظات مفعمة بكل المتناقضات بين سعادة وتوجس وبين حماسة وتخوف وهى أول مرة سأجلس فوق مقعد بالطائرة لتجتاز الفضاء والبحار، فضول مسبق وتوجس مطبق وتخيل مرتبك لهذا الفضاء الخارجى ونحن نسبح فيه داخل الطائرة العملاقة التى حققت أحلام الحالم الأول فى البشرية بالسباحة عباس بن فرناس وهو يدفع حياته ثمنا لأمل للبشرية أنهته مغامرة قفزه من فوق الجبل..تخيل اختلطت فيه روايات من سبقونى من الأهل والمعارف وركبوا الطائرة وقطعوا أجواز الفضاء، وحكايات ومشاهد الأفلام التى حاولت كاميراتها تسجيل بعض الأحداث فى الفضاء بداخل الطائرة،ومابين مشاهدها المضحكة وثوانيها المرعبة ولحظاتها الوادعة كانت مشاعرى تستعد للمرور إلى داخل المطار فى انتظار ركوب الطائرةبعد إنهاءإجراءات السفر،بعدما انتصف ليل الجمعة واقتربت ساعة الطيران فى الرابعة فجرا..وانقطعت كل الشكوك داخل النفس بتلبية دعوة حملتها الأقدار ضد كثير من الحسابات كدأب أقدارى معى طوال عمرى،هو السعى الوشيك إذن إلى مكان البكاء على الخطيئة رغم الانبهار والسرور بلذة الطاعة، إلى مكان الوزن الحقيقى لثقل وحجم المعاصى وقد كانت تتعاماها العين وتتناساها النفس وتراها خارج هذا المكان طبيعة بشرية، وهى بالفعل كذلك لكنها كانت وماتزال وستظل مابقيت الحياة شديدة الاحتياج إلى عدم تغافلها واستصغار أمرها مهما كانت تافهة دقيقة فهى فى النهاية تصير جبالا متراكمة تجعل النفوس متهالكة والأبدان متداعية والإرادات متخاذلة هاوية.
ثلاث ساعات قبل الإقلاع وقد عاد المودعون أدراجهم وبقيت وزوجتى وبقية رفاق الرحلة ننتظر النداء على ركاب الرحلة المتوجهة إلى جدة، وجاء من يقود خطواتنا وتوجهنا معا إلى بداية الإجراءات النهائية قبل الركوب، لتكون المفاجأة الصارخة والمخيبة لٱمالنا جميعا تركل بقسوة تقدمنا للأمام وتعيد خطواتنا وأملنا المزدهر إلى وهدة عميقة من خيبة الأمل..
ولنكمل الرحلة إن شاء الله فى وقت قريب.
Discussion about this post