بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى
الطواف حول البيت الحرام والسعى بين الصفا والمروة، هكذا وجد الحاج نفسه وقد تخلى عن لقب أستاذ بين زملائه وذهب إلى مقام العبد أمام ربه. وصار سعيدا باللقب الجديد فعلا والقديم قولا ممن كانوا ينادونه به توقيرا للسن أو جهلا بالاسم،أو حتى تمنيا له من البعض. هو فى حياته العادية لايميل إلى البهرجة والتكلف فى الملبس، صحيح انه يحرص على تناسق مايرتديه رغم بساطته، لكنه الآن فى الحرم وقد صار بين أمواج من البشر نقطة فى محيط تتناغم ذرات مياهه بالتوحد واللون الأبيض.. كثيرا مارأى صاحبنا تلك الأمواج عبر الشاشات قبل ذلك، لكنه لايدرك بالضبط كيف حاله وهو قطرة بينها وكيف لو رآه من يعرفه ذائبا بين الجموع ملبيا معهم ومرددا نداء خالدا: لبيك اللهم لبيك.
وجد الحاج نفسه فى الحرم وبصحبته زوجته التى عاشت منذ اقترنا على أمل هذا اليوم تتمناه وتطلبه وتسعد لقربه وتتألم كلما فاتت فرصته. الأمواج الهادرة التى كان عليهما ان يذوبا فيها طوافا ومن ثم اقترابا من ذلك الحجر الأسود بركن البيت الحرام الذى طالما هفا قلبها لملامسته، وهاهى ذى يقفز منها القلب سابقا اليد والقدمين نحوه وقد حال بينها وبينه اقدام سمراء لاتعرف التراجع عنه وتصميم اجساد قوية تدفع كل من يعوق طريقها وحدها إليه، هؤلاء السمر الأفارقة من بنى الإسلام يكادون لايتركون فرصة لغيرهم كى ينال تلك اللحظات الأسطورية باستلام واحتضان وتقبيل ذلك الركن العظيم من المناسك، يتدافعون فى تصميم ويقتربون زرافات ووحدانا ويدفعون كل اصحاب الأمل العظيم الجليل ممن تخذلهم أجسادهم عن نيل مرادهم هم الآخرين. لكن عزم الحاجة كان أقوى من خذلان الجسد وضعف المقاومة، وهل فى هذا الموضع ضعف لمقاومة أو خذلان لجسد؟ ولماذا تضعف والناس من كل فج عميق قد لبوا النداء أبيضهم وأسودهم وأصفرهم وأشقرهم وأحمرهم وأسمرهم، كلهم جاء راكبا الفضاء أو قاطعا للصحراء أو مجتازا عباب الماء متوجها صوب ذلك الهابط من السماء لاهم لهم سوى الاقتراب وتشمم وتلمس قطعة علوية ارساها الإله بيد أبى الانبياء.
لقد اخذت الحاج تلك الجموع الهادرة باقترابها وابتعادها وتدافعها وتراحمها أيضا، وكان أكثر مايشغله مثل غيره ان يقترب ويقترب ويمد يده، لكنه كان أيضا يستشعر تزايد جموح الرغبة لدى زوجته الحاجة مع كل شبر يقربهما وكل ذراع يعيدهما ويكاد يبعدهما، مد وجزر فى أجلى صورهما، لا لبحر بل لمحيط فيه أمواج متلاطمة ودوامات متلاحمة وقلوب تحمل ذات الشوق وأجساد تتباين قدرتها على حمل أقدام الأمل والإقدام على تحقيقه.. أخذتهما اللحظة بالاقتراب ولم تفلح الدوامات البشرية فى إغراق رغبة الحاجة الحميمة وتجاوب الحاج المذهول مع اقتراب لم يكتمل بالالتحام.
Discussion about this post