دكتور … أحمد خالد توفيق
لابد أن نتحدث عن الخراف وأضحية العيد التي يتواثب ثمنها بأرقام فلكية من يوم لآخر. كل هذا معروف.. ولو أنك كنت مولعاً بالأكل مثلي، فلابد أنك في صراع بين النهم وتأنيب الضمير لأنك لا ترغب في إضافة هذه الكيلوجرامات وكل هذا الكولسيتيرول إلى جسدك. الأكل شعور رائع لا يدانيه إلا الشعور الشنيع عندما تكتشف أن عليك إضافة ثقب جديد للحزام، أو أن القميص لا ينغلق.. ثم إدراكك أن جيوب السروال فارغة.. لقد أفلست..
المهم أن العيد اقترب ومعه مست الحاجة إلى شراء خروف. وأنت تعرف أنني أمارس هذه العملية في آخر لحظة ممكنة، على الرغم من أن الخبراء ينصحونني بأن أشتري الخروف بمجرد انتهاء عيد الأضحى السابق أو بمجرد إنهائي للمدرسة الابتدائية.. بالطبع كانت الخراف الممتازة قد بيعت فعلاً، فاقترح علي أولاد الحلال أن أشترك في شراء عجل مع مجموعة أخرى ونضحي به في العيد. وهذا ما فعلته.
ابتعنا العجل من أحد الجزارين في قرية قريبة، وهي عملية صعبة حقًا، لأنه كان يتملص من الفتى الذي يمسك بالحبل.. ثم يركل ويقاوم ويركض.. بالطبع لا يعرف سوى وجهة واحدة في العالم هي أنا. فجأة افترض أن الغاية من وجوده هي إلقائي أرضاً وتهشيم قفصي الصدري. المهم أننا نجونا واشترينا هذا الوحش، وكنا قبل العيد بعشرة أيام، هنا انتحى بي أحد الشركاء وقال همسًا:
-«يجب أن نزنه الآن.. لو قمنا بوزنه يوم الذبح فإننا نعطي الجزار فرصة ليزيد وزنه».
-«يزيد وزنه ؟»
-«نعم .. يسقيه محيطات من الماء وأطنانًا من الملح.. هكذا يزداد وزنه ثلاثين كيلوجرامًا على الأقل. إننا بالنسبة للجزار صيد سهل.. مجموعة من البلهاء»
طلبنا من الجزار أن نزن العجل الآن بدلاً من يوم العيد، فاحمرت عيناه وتطاير الشرر منهما ولوح بالسكين العملاقة والشاطور، وأقسم أننا نتهمه في شرفه.. لن يزن أحد العجل… سوف نزنه قبل الذبح مباشرة. لا يقبل كلمة أخرى وإلا.. وإلا شعر بالإهانة…
شعر بالإهانة؟.. كيف يشعر هذا الرجل بالإهانة؟.. كيف يشعر بها من يمسك بشاطور وسكين بهذا الحجم؟. هكذا قبلنا في حياء أن يزن لنا العجل متى شاء وفررنا بجلدنا..
بعد يومين ذهبت إلى البقال لشراء ملح.. لم أجد أي كيس ملح بتاتًا.. هذا غريب..
أما كارثة الكوارث فهي أن الماء مقطوع في بيتي.. مقطوع ليلاً ونهارًا كأن معجزة نقلت البيت إلى صحراء موهافي الأميركية.. لا توجد قطرة في الصنابير.. ولا يمكن الحصول على ماء من دون تشغيل المضخة. صحوت في الثالثة صباحًا لأقتنص بعض الماء فوجدت الماء ما زال مقطوعاً..
قالت زوجتي في حكمة:
-«لابد أن ربات البيوت كلهن يمسحن بيوتهن ويغسلن استعدادًا للعيد»..
وقال أبي المسن:
-«الناس جميعًا يتوضأون استعدادًا للصلاة تقرببًا لله.. هذه أيام مفترجة»..
ثم شمر ذراعيه ليتوضأ بدوره قبل أن يكتشف أنه لا توجد قطرة ماء واحدة. لكني لم أشعر براحة لهذه التفسيرات..
في اليوم التالي مررت ببناية قريبة من البيت، وهي ما زالت تحت الإنشاء.. فوجدت الخفير يضرب كفًا بكف وهو يصيح:
-«تصور يا بك أن هناك من يسرق الزلط!!… الزلط المخصص للبناء كان مكومًا هنا.. في الصباح وجدت أن أكثره اختفى»..
تركته وأنا أفكر في عمق…
فجأة بدأ الجواب يتراءى أمام عيني. أنظر لأسراب الخراف الواقفة أمام متاجر الجزارين.. أفكر في العجل الذي ينتظر في تلك القرية..
كل هذا مفهوم.. الجزارون هم سبب انقطاع المياه.. يسقون الخراف والعجول طيلة اليوم ليزداد وزنها، ثم يتأكدون من أن أجساد الماشية ستحتفظ بالماء لذا يطعمونها كميات هائلة من الملح.. كل الملح في السوق.. ولمزيد من نجاح التأثير يحشون الزلط في حلوقها.
لقد تحول عالمي إلى بارانويا كاملة.. صرت كلما رأيت بقرة أو خروفًا شعرت بأنها قربة ملأى بالماء. تخيلت لحظة شق بطن هذا العجل.. أنهار من الماء المالح.. سيول تغرق الأرض والناس، بينما ينفجر الزلط في الوجوه كأنه انهيار جبلي..
سوف يبلغ وزن العجل أطناناً عدة. نحن لا نتكلم عن عجل بل عن ديناصور من طراز برونتوساورس أو ستيجوساورس، وسوف يدفع كل واحد منا مئات الألوف من الجنيهات..
سوف أنتظر هذه اللحظة في قلق… أنتظرها في رعب.. ألتهم أظفاري.. ولا أنام…..
.
مقال: الديناصور
أحمد_خالد_توفيق
Discussion about this post