بقلمي … طه هيكل
قصه قصيره
كلمة طالما كنت أسمعها
أتأمل معناها أحاول فك رموزها
هل تعني اصفرار قرص الشمس حين تهوي إلى المغيب
أو تعني مرضا ألم بها حال ذبولها وعودتها إلى بيتها
في عالم اللامتناهي
وأعيد التفكير في معناها بطريقة أخرى
إذ تغير المعنى في مخيلتي وجاء بلفظ السفر فتسافر الشمس إلى حيث لانعلم ولا ندري في عالم من الغيب يجل عن التوغل فيه وفي كنهه
أسمع أمي تقول صفاري شمس في عز وهج حرارتها في ريف قاتل حره
وحياة تخلو من الرفاهية وتخلو من الضروريات كانت اللمبة الزجاجية وأختها الصغيرة السهاري هما مصدر النور بعد صفاري شمس
وكان وابور الجاز هو الراعي الرسمي لإطعام الأسرة وإنضاج طعامها
رائحة الجاز مازالت عالقة في أنفي برغم تقادم العهد بها ومرور عشرات السنين وعندما يطفح الكيل بالوابور يسجل اعتراضه بضخ سيل من الكيروسين حول رقبته محاولا الانتحار حرقا
فيبادر الأب بإطفاء الحريق حول رقبة الوابور داعيا لنا بالانتظار ريثما يهدأ ضجيجه وتخبو ثورته وعندما يئن الوابور فإنه يقسم لنا أنه قد ضاق ذرعا بنا فالأسرة على كثرة عددها تتناوب الالتفاف حوله في وجبة الإفطار كان كوب الشاي الأسود هو الزاد اليومي للأسرة مع بعض أرغفة الخبز وحبات الفلافل الساخنة وأحيانا كان الاكتفاء ببعض اللقيمات مع قليل من الملح المخلوط بالبهارات بطعم لم تغير السنوات الشعور بحلاوته إلى الآن وكان الرضا بالمقسوم سمة لنا فلم نكن ننظر لمن يمتلكون الرفاهية إلا لمحاولة التقرب منهم لنيل الرضا حتى نشاهد التليفزيون عندهم ذلك الجهاز الساحر العجيب الذي يلتف حوله عشرات من الأهل والأقارب كانت الحارة كلها ليس بها إلا جهاز أبيض وأسود يتم عرض المسلسلات العربية بالأجرة تعريفة للمسلسل وقرش صاغ واحد للمباراة كعرض سينيمائي يتناوب المشاهدون التحليق حوله لاتفوتهم حلقة من حلقاته أو مباراة للكرة والتعصب القاتل للأهلي والزمالك التليفزيون كان هو سبب صلة الأرحام لنا نحن الصغار فنزور من عندهم تليفزيون ونعرض خدماتنا ليسمحوا لنا بمتابعة مسلسلات هراس جاي وعبدالله النديم و غيرها وأحداث المسلسلات التاريخية التي لا يمكن محو حلقاتها من الذاكرة بسهولة وفاطمة هاتعمل العملية يا جمعة
جمعة الشوان
وجار لنا في البيت الله يرحمه عم جمعة بلغت الخشونة من يده مبلغا يكاد يدمي من يسلم عليه
وكان مرحا خفيف الظل بالرغم من قسوة الأيام عليه وفقره الشديد
كان يقول لابنه الرافض الذهاب إلى المدرسة بكل تأكيد علي الطلاق من أمك لو مارحت المدرسة لأدوس على زمارة رقبتك أبوظها
وفي رحلتنا مع الوابور يتعرض لحوادث جمة فتارة يصاب بكسر في رجله فيميل وتميل معه القلوب ضارعة أن يستجيب لتوسلاتنا أن يتم مهمته في طبخ الغداء وبعدين ربنا يحلها فتميل الطاسة أو الحلة فنخرج مسرعين إلى الشارع للبحث عن طوبة أو زلطة نسند بها الرجل التي كسرت
وتارة يتعرض لحادث من نوع آخر وهو الكتمان فلا يكاد يخرج النار بصورة مستقيمة فتراها وقد أصبحت في جانب واحد ونبحث عن الإبرة ذات السن الرفيع جدا لندخلها داخل مخرج النار ومرة واحدة نضع الإبرة داخل عينه الواحدة التي نحيا من آثارها فيصيح بأعلى صوت بس أنا ها أتعدل وينضج الطعام في سرعة عجيبة بعد أن تم تسليكه
وتمضي الرحلة إلى السمكري ليأخذ مبلغا زهيدا لإصلاح ساق الوابور
لحين يتعرض للكسر مرة أخرى
وتحلو في رمضان مسلسلات وأحداث تتناوب دورها على الذاكرة فتنحني إجلالا لقوة تلك الذاكرة التي تحتفظ بتفاصيل لو كتبت لملأت أسفارا على روعتها ويوم حصاد القطن يطل بتفاصيله الرهيبة على الذاكرة وطعم الماء العذب الذي يخرج من باطن الأرض عذبا يروي ظمأ الحناجر وجفاف الشفاه من كثرة العمل وأقول لأمي ها نروح امتى قتقول بكل بساطة : صفاري شمس
طه هيكل
Discussion about this post