الأديبة عائدة قزحيا حرفوش تعقب على قصيدة الدويهي
“لم تغب عن بالي”
١- قصيدة جميل الدويهي:
رَنّ صَمْتي كرنّة الخلخالِ
والسطور التي كتبتُ ظلالي
والمسافات كلّها بعضُ شكّي
وارتباكي على رصيف الليالي…
أيّها البحر، لا تزرني، فإنّي
ساكن خيمة وراء الجبال
عندما كنت صاحبي، خاف منّي
الموج، واحتار من عميق سؤالي
من أنا؟ أنت؟ نحن؟ وماذا
في كتاب الغياب، والترحال؟
أعبر الوقت ذاهلاً عن وجودي
وأنا فيه صورةٌ من خَيال…
والعيون التي أحنّ اليها
ودّعتني، ولم تغب عن بالي…
عذّبتني، ورمشها سيف كسرى
وأنا حارسُ الرموش الطوالِ
عاشقًا، أرتدي حرير البراري
والصباح الرقيق في موّالي
ردّني مرّةً، فمنذ اغتربنا
صار جرحي كتابةً في الرمالِ.
٢- تعقيب الأدببة عائدة قزحيا حرفوش:
أيّ صمت هذا الّذي لا يزال يضجّ في ذاكرة المسافات رغم بعدها؟!
أيّ رنين لا يزال يدوي وقد عبر البحار وتخطّى الجبال، والصّخر موصل رديء للصوت؟!
أتراه خلخال امرأة حسناء، أم جرس عنق كرّاز يقود القطيع، أم هو طنين أذنٍ نَخالُه _اعتقادًا _ ذِكرَنا على لسان حبيب أو صديق أو قريب لنا؟!
وأيّة حروف تلك الّتي تحمل عدستها وترافق ظلّنا، فتلتقط صُورَهُ حيثما تغيّر حجمه في وضح النّهار أو تلاشى مع عتمة اللّيل؟!
وتلاحقه أنفاس الحنين لتزيد نبض الفكر صخبًا حتّى يختلط المعقول باللّامعقول، ويضطرب اليقين، فنقع في الشّكّ إذا ما حمل اللّيل ظلّنا ولاشاه؟!
ها هو البحر ينافس بأسرار عمقه أسئلة الإنسان الّذي عبر الشّواطئ، ولوى أعنق الأمواج، وامتشق قناديل فكره، غير عابئ بقناديل البحر، وحيتانه، وقروشه، وسبر أغواره، فعثر على درر قاعه، ولم يكتفِ، لأنّه لم يعثر على درّة وجود روحه وعلّة كيانه.
ويعبر الزّمن سريعًا يخطف منّا أشكالنا، فيبري عظامنا، ويغيّر ألواننا، ويوشّح أفكارنا بحِكَمٍ تزيدُنا تمسّكًا بفضولنا لمعرفة حقيقتنا، وتزيدنا تشبّثًا باكتناه أسرار وجودنا، وترهقنا إصرارًا، فتذوب فينا حقائقنا، وتبقى ظلالنا تتراقص فوق صفحات خيالنا، تستحمّ بذكرياتنا، وتتجفّف بزفرات تأوّهاتنا.
وتغيب عيون اللّيل والنّهار، وعيون مَن أحبَبنا ساهرةٌ أبدًا في محاجرنا لا يغمض لها جفنٌ، ولا تأخذ لها قيلولة.
والشّاعر وحده تتراءى له رموش حبيبته فراشاتٍ قد غزلت سحر خيوطها الحريريّة ونسجتها حول قلبه، أسير شرنقة حبّها، يكتب آماله بحبر أمانيه وآلام جراحه فوق الرّمال المتحرّكة كالأحلام المندثرة مع كلّ يقظة واقع مرير.
ويشدّني فضول المعرفة.. أتراها أصوات الحنين والذّكريات تزداد طردًا مع المسافات؟!
يا لَبدعِ الحياة!
Discussion about this post