بقلم الباحثة الأستاذة
هنادي شيخو …
منذ عدة أيام استوقفني هذا المنظر لعدة دقائق حتى قررت في النهاية أن التقط هذه الصورة. ولدى عرضها على أحد زملائي في الجامعة، فاجأني ما ألهمته الصورة لزميلي من أفكار ومعان مغايرة لما يجول في خاطري. إذ اكتشفت أننا لا نرى جميعا ذات الصورة بعين واحدة. وكأنما تحولت من صورة تنقل منظرا واقعيا ما إلى مرآة زئبقية تدخل الثنايا وتعكس خفايا خبراتنا الحياتية على اختلافها.
فقد رأيت فيها رجلا يستظل بخيط فيء رفيع لشجرة نحيلة نوعا ما في بقعة جرداء من الأرض، وتلوح في الأفق خلفه سلسلة تلال صلعاء يتلوها أبنية و كتل اسمنتية مختلفة الأشكال والأحجام في هيئة مبعثرة وغير منتظمة.
فهي بالنسبة لي، رجل يبحث عن قسط من الراحة في ظل مضمحل يكاد ينعدم لحدة الشمس. وكأن الشمس تلسعه غيظا وقيظاعقوبة له لأنه تجرأ أن يبتعد عن المدنية غير منتظمة الشكل. والرجل قرر أن يجد أملا ما في مكان ما فجلس يستفيء لبرهة في استراحة محارب قبل أن يتابع مشوار البحث عن أمل إلى ما بعد الأرض الجرداء قاسية الملامح.
ويبقى لقراءة الصورة جانب آخر لم يسبر غوره بعد. فزميلي في الجامعة، الدكتور باسم علي, وبحكم خبرته المديدة في الهندسة المدنية والمعمارية، قرر أن يولي ظل الشجرة اهتمامه. فحين أمعن النظر في الصورة، تراءى له رجل جالس في ظل ممتد طوليا، ونظر الرجل موجه باتجاه متسق مع هذاالامتداد، أي أنه يتأمل في الظل نفسه. من وجهة نظر الدكتور باسم أن الرجل قد وجد الأمان في فيء الشجرة. لو وافقته الرأي جدلا، فأعتقد عندها أن الرجل خائف من أمر ما، وذاك وحده الذي يدفعه للتفكير في الأمان في ظل بهذه النحافة والندرة. وأتساءل هل هو يخشى ماض مشوه الملامح غير منتظم المعالم هو هارب منه؟ أم يخشى عدم وصول المستقبل إلى حيث يعيش في معزل عن كوكب الأرض؟ هو أمر مثير للاهتمام فعلا.
كلانا تمعن في ذات الصورة بطرق مختلفة وقرأناها سلبا وإيجابا بأساليب مغايرة. ولكن أعتقد أننا نتفق على هوية الشخص المستظل بالشجرة الضئيلة الظل. إنه الإنسان السوري المعاصر يا سادة! إذ أن حياته كلها تحديات ومخاطر ولا تعده بالكثير، فبالكاد يجد شظف العيش وبعض الأمان ولا أمل في واقع مبعثر الملامح. فهل يذهب إلى المستقبل المجهول ويغامر بخسارة الظل الضئيل؟ أم ينتظر المستقبل أن يأتي إليه فيعمر الأرض الجرداء بالصروح العالية أو يزرعها بأشجار الخير وارفة الظل لتظله؟ هي معضلة يومنا هذا.
ولكم يا سادة أن تتأملوا الصورة بأنفسكم وتعلقوا بما يجول في خلدكم.
بقلمي الباحثة الأستاذة هنادي شيخو
Discussion about this post