بقلم دكتور … عاطف معتمد
تعالوا نسخر من الأكاشيا !
كتبت هذا السطور وحذفتها ثلاث مرات والسبب حرصي على مراعاة حالة القارئ التي يسميها النقاد “المزاج العام”.
المزاج العام هذه الأيام يسخر من الأمل، ويستهزئ بالبدايات الضعيفة، ويضحك ملء شدقيه من كلمات ترى الغد أفضل. المزاج العام يكاد ينخي رأسه معترفا بأن صوت الجهل صار يعلو فوق كل صوت.
ورغم كل ذلك ها أنا أستسلم لرغبة الكتابة معتذرا للسيد “المزاج العام”.
الصورة المرفقة هي واحدة من الصور التي تستوقفني في الصحراء على مدار سنوات طويلة مضت، لكن في الأسبوع الماضي قررت أن أكتب عنها.
في الصورة نرى الشهور الأولى لميلاد شجرة الأكاشيا، وهو الاسم الأجنبي للمرادف العربي “السيِّال”. ولدت هذه الشجرة في شق صغير في صخور من البراكين القديمة التي بردت من لهيب سائل قبل مئات ملايين السنين.
هذا الشق بالكاد سمح بسقوط نبتة صغيرة وحبة لقاح من أشجار قديمة دفعتها الرياح أو جلبها سيل أو علقت في جسم حيوان مر من هنا في عمق الصحراء.
في هذا الشق الصغير نبتت أولى أغصان الأكاشيا وأمامها سنوات عدة حتى تقف على ساقها وسنوات أخرى طويلة حتى تصبح شجرة ناضجة.
هذه النبتة حين تكبر ستعلو إلى عشرة أمتار وستصنع ظلا ظليلا، وسيلجأ إليها كل عابر من إنسان وحيوان، ستسكنها الصقور وتلجأ إليها الغزلان والحملان، وقد تسقط يوما صمغا نافعا، وربما استعان بها أحدهم فأخذ منها خشبا لبناء بيته أو مركبا يصطاد به رزقا من البحر، وحتى حينما تسقط أغصانها من الشيخوخة سيجمعها العبادي الذي يجلس بجوارها الآن ليصنع منها فحما للتدفئة والطهي.
هذه الأكاشيا تعيش طويلا، يقدر العلماء عمرها بنحو 600 سنة بل وهناك أشجار منها يقول بعض العلماء إنها قد تصل إلى أكثر من ذلك وربما بلغت الألف عام عمرا.
كل ذلك سيحدث..سواء كان المزاج العام مرحبا أم ساخرا. سيحدث لأن الأكاشيا لا تسمع كلام البشر ولا ترى التقاعس وتغمض عينيها عما يدور من إحباط وقنوط.
ستنمو الأكاشيا، وتعيش عمرا نافعا، وتقدم كل ما لديها للعابرين هنا في تلك الصحراء البعيدة.
***
عذرا للسيد “المزاج العام”.
Discussion about this post