بقلم دكتور
عاطف معتمد
هددت روسيا أمس (9 يونيو 2023) بإخراج المخزون النووي لمواجهة الهجوم الأوكراني المرتقب لتحرير أراضيها من الغزو الروسي.
منذ أن ضمت روسيا الأراضي الأوكرانية في الشرق والجنوب للفيدرالية الروسية وهي تعتبر أن أي هجوم على هذه الأراضي هو هجوم على أراض روسية كما لو كان هجوما على موسكو ذاتها.
الصراع الدائر الآن في جزء منه حول تبعية شبه جزيرة القـــِرم، روسية أم أوكرانية؟ غير أن شبه الجزيرة هذه في أصلها أرض سكنها لقرون طويلة شعب اعتنق الإسلام وعرف في التاريخ باسم “تتار القرم”.
والتتار هم أنفسهم التتار الذين غزوا العالم الإسلامي في القرن 13 الميلادي.
لكنهم حين انقسمت إمبراطوريتهم إلى عدة ممالك، اعتنقوا الإسلام.
سكن التتار شبه جزيرة القرم، وأقاموا فيها مملكة إسلامية وعمروها وصاروا شعبها وأهلها حتى أن التاريخ يعرف سكان القرم في الأصل باسم “تتار القرم”، والتي لم تقف حدود مملكتهم على شبه الجزيرة بل ضمت مساحات واسعة مما يسمى اليوم أوكرانيا وبحر آزوف.
مع صعود الدولة العثمانية ونمو قوتها خاضت ضد روسيا حروبا عنيفة للسيطرة على مناطق التماس في القوقاز والبحر الأسود، ولا سيما في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
وقد تضامن تتار القرم مع الدولة العثمانية ووقفوا سويا ضد روسيا.
في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر نجحت روسيا بعد معارك شرسة في انتزاع القرم من السيادة العثمانية وأدخلتها في حوزتها.
أمام حروب التصفية فر مئات الآلاف من تتار القرم المسلمون إلى الدولة العثمانية، وأحلت روسيا محلهم سكانا روسًا من حيث الهوية العرقية.
بقي في القرم نحو ربع سكانها، أي في حدود ثلث إلى نصف مليون نسمة.
ظل المسلمون في القرم على هذا الوضع المترقب إلى أن قام هتلر بغزو أوكرانيا وضم القرم تحت الاحتلال النازي وعرض على تتار القرم التعاون معه في مقابل منحهم استقلالية وحرية بعيدا عن سلطة ستالين البوليسية.
تعاون بعض القوميين المتحمسين مع هتلر لكن الأغلبية من الفلاحين البسطاء انضموا إلى الجيش السوفيتي وأصبحوا جنودا مخلصين لما اعتبروه وطنهم السوفيتي.
غير أن ستالين ما إن أتم النصر على هتلر وطرد الألمان إلا وأنزل عقابه على تتار القرم وطردهم من بلادهم نفيا إلى آسيا الوسطى وسيبيريا متهما إياهم بالخيانة العظمى والتعاون مع النازية.
على هذا النحو تم تفريغ سكان القـِرم من سكانها الأصليين المسلمين وأصبحت جاهزة لاستقبال مزيدا من الروس والأوكران.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عاد بعض تتار القرم إلى أرضهم لكن بعد أن وجدوا كل شيء قد تغير ومحي من الوجود.
يمثل تتار القرم اليوم ما بين 12 إلى 15 % من إجمالي سكان شبه الجزيرة ومن ثم فهم أقلية مقارنة بالروس والأوكران.
انتقلت القرم الإسلامية إلى صفحات الجغرافيا التاريخية وصارت اليوم في صفحات الجيوبوليتيك الملتهب المهدد بحرب نووية بين روسيا والناتو الذي يقف خلف أوكرانيا.
Discussion about this post