بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى…
خبايا 5يونيو
وثيقة فيصل المأساوية (2)
لم يقف الموقف السعودى عند هذا الحد بل زاد الطين بلة بما تم تداوله بعد ذلك عن موقف الفيصل المأساوى برسالته الدرامية للرئيس الأمريكى ليندون جونسون نهاية 1966 بعد فشل تحقق وثيقة جدة على الأرض، وفى كتاب (عقود من الخيبات) للكاتب حمدان حمدان الطبعة الأولى 1995 الصادر عن دار بيسان فى الصفحات من 489 ـ 491، نجد تلك (الرسالة/الوثيقة) والتى أرسلها الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الرئيس الأمريكى ليندون جونسون (وهى وثيقة حملت تاريخ 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386، كما حملت رقم 342 من أرقام وثائق مجلس الوزراء السعودى) وفيها يقول الملك العربى ما يلى:
“……من كل ما تقدم يا فخامة الرئيس، ومما عرضناه بإيجاز يتبين لكم أن مصر هى العدو الأكبر لنا جميعا، وأن هذا العدو إن ترك يحرض ويدعم الأعداء عسكريا وإعلاميا، فلن يأتى عام 1970 ـ كما قال الخبير فى إدارتكم السيد كيرميت روزفلت ـ وعرشنا ومصالحنا فى الوجود
لذلك فإننى أبارك، ما سبق للخبراء الأمريكان فى مملكتنا، أن اقترحوه، لأتقدم بالاقتراحات التـالية:
ـ أن تقوم أمريكا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولى به على أهم الأماكن حيوية فى مصر، لتضطرها بذلك، لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط، بل لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصرى رأسه خلف القناة، ليحاول إعادة مطامع محمد على وعبد الناصر فى وحدة عربية
بذلك نعطى لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا فى مملكتنا فحسب، بل وفى البلاد العربية ومن ثم بعدها، لا مانع لدينا من إعطاء المعونات لمصر وشبيهاتها من الدول العربية إقتداء بالقول (ارحموا شرير قوم ذل) وكذلك لاتقاء أصواتهم الكريهة فى الإعلام
ـ سوريا هى الثـانية التى يجب ألا تسلم من هذا الهجوم، مع اقتطاع جزء من أراضيها، كيلا تتفرغ هى الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر.
ـ لا بد أيضا من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة، كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقى فى الدول العربية.
ـ نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البرازانى شمال العراق، بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أى حكم فى بغداد يريد أن ينادى بالوحدة العربية شمال مملكتنا فى أرض العراق سواء فى الحاضر أو المستقبل، علما بأننا بدأنا منذ العام الماضى (1965) بإمداد البرازانى بالمال و السلاح من داخل العراق، أو عن طريق تركيا و إيران.
يا فخامة الرئيس
إنكم ونحن متضامنين جميعا سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق، بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها، دوام البقاء أو عدمه , أخيرا أنتهز هذه الفرصة لأجدد الإعراب لفخامتكم عما أرجوه لكم من عزة، و للولايات المتحدة من نصر وسؤدد ولمستقبل علاقتنا ببعض من نمو و ارتباط أوثق و ازدهار.
المخلص: فيصل بن عبد العزيز
(ملك المملكة العربية السعودية)
انتهت السطور الكارثية فى تاريخ السياسة العربية ـ العربية بالاستنجاد بأمريكا العدو الأكبر لكل تلك الدول والممالك التى سلك بعضها كل ألوان الخيانة ضد أشقائه ؛ ومن خلال قراءة تلك الوثيقة يمكننا ملاحظة أن الخطة التى اقترحها الملك السعودى للعمل ضد الدول العربية تكاد تكون هى خطة الحرب الإسرائيلية فى يونيو 1967،وهومانعتبره إثباتا لخطأ التدخل الناصرى فى اليمن بالشكل الذى تم به ووصل بالمنطقة أخيرا إلى مأساة يونيو 1967.
ماقبل يونيو 67
وفى الوثائق الإسرائيلية الخاصة بحرب يونيو 1967 والتى قام بترجمتها ونشرها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه (عام من الأزمات)، أن الرئيس الأمريكى ليندون جونسون فى مايو 1967 وبعد أن تم تجهيز كل الخطط لضرب مصر، أراد أن يستوثق من احتمالات غضب الشارع العربى على العروش العربية فى حالة شن إسرائيل الحرب على مصر وقد استقر رأيه بعد التشاور مع مساعديه على التوجه بالسؤال مباشرة إلى ملكين فى المنطقة تعتبر الولايات المتحدة عرشهما مسألة هامة لأمنها القومى، الملك حسين بن طلال فى الأردن، و الملك فيصل بن عبد العزيز، وبالفعل قابل روبرت كومار مساعد الرئيس جونسون الملك حسين فى عمان يوم 28 مايو 1967، كما توجه ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمقابلة الملك فيصل بن عبد العزيز فى نفس اليوم فى لندن التى كان الملك فيصل فى زيارة رسمية لها من أجل تخيير الحكومة البريطانية بين حلين:
1 ـ تأجيل تنفيذ سياسة الانسحاب من شرق السويس، واستمرار بقاء القوات البريطانية فى المنطقة لسنة كاملة على الأقل حتى يتمكن الجميع من ترتيب أوضاعهم، وإلا فإن إتمام الانسحاب البريطاني فى المواعيد المعلنة (عام 1968 كما أعلن رسميا من مجلس العموم البريطانى) سوف يخلق فراغا يملؤه الجيش المصرى و يدخل إلى عدن ذاتها.
2 ـ أن تبذل الحكومة البريطانية مساعيها لإقامة تجمع يضم كل دول شبه الجزيرة العربية و الخليج لكى يكون للمنطقة تجمع إقليمى تتمايز به عن الجامعة العربية، ويكون للسعودية فيه دور مؤثر يوازى الدور المصرى فى جامعة الدول العربية التى يوجد مقرها فى القاهرة.
ـ تمت المقابلة بين الملك فيصل و ريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967 فى جناح الملك فى فندق دورشستر وحضر المقابلة بين الملك وهيلمز ـ السيد كمال أدهم مستشار الملك الخاص ومدير المخابرات السعودية وشقيق زوجته الملكة (عفت)، استمر الاجتماع من العاشرة مساء وحتى الثانية صباحا وقد تم تأمين مكان الاجتماع بواسطة خبراء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وعاد هيلمز عقب الاجتماع إلى واشنطن لإخطار الرئيس الأمريكى بما دار مع الملك.
ـ ويقول هيكل فى كتابه (عام من الأزمات) إنه فى ربيع عام 1985 تقابل مع السيد كمال أدهم فى بيته فى لندن وسأله عن لقاء الملك فيصل بريتشارد هيلمز يوم 29 مايو 1967، وهل كان الملك يعرف بالتدابير الأمريكية والإسرائيلية لمصر ولجمال عبد الناصر؟ ورد عليه السيد كمال أدهم قائلا: (اسمع لست سياسيا مثل الآخرين أقول أى كلام و السلام، ما سألتنى فيه لن أرد عليه، ولكنى أريدك أن تعلم، و أنا أقولها لك بمنتهى الصراحة، صديقك الرئيس جمال كان فى مواجهة مفتوحة وعنيفة ضد المملكة، والمعركة كانت سياسية ونفسية وأخيرا أصبحت عسكرية فى اليمن، والملك فيصل مسئول عن مملكته، مسئول أمام أسرته، مسئول أمام إخوته وأبنائه يسلم لهم الأمانة كاملة كما استلمها، واجبه واضح أمام العرش والأسرة، وعليه أن يتصرف بما يحقق (المصلحة) وهذا هو كل شئ وليس هناك شئ آخر، لا تستطيع أن تسائل الملك فيصل إلا فيما هو مسئول عنه (العرش و الأسرة)، وهل نجح فى حمايتهما طوال حكمه أم لم ينجح ؟ و هل كانت المملكة أقل أو أكثر استقرارا عندما تركها عما كانت عليه عندما تسلمها ؟ هذا هو المحك، كان الخطر الأكبر علينا أيام ملكه هو صديقك الرئيس جمال وبالنسبة لنا فى المملكة فإن فيصل انتصر فى التهديد الذى مثله علينا الرئيس جمال، ونحن لا نتعب رؤوسنا بكثرة الأسئلة ولا بالخوض فى الحكايات و التواريخ).!.
فقرات من كتابى (أصحاب القرار بين الجنة والنار)
Discussion about this post