بقلم دكتور … محمد الدليمي
الثقافة العربية ليس لها حبل الوصل مع الثقافة الغربية :
منذ نشوء البشر على المعمورة، وبعد أن انقسمت البشرية إلى أمم وشعوب وقبائل، أنقسمت الثقافات الإنسانية إلى مستويات؛ حسب العقول والمبادئ التي تحملها تلك الأمم؛ فظهر لدينا فن الفلسفة وهو من أخطر الفنون الأدبية التي يعتمد الإنسان على فكره ومنهجه دون الأستعانه بأي مصدر سماوي، وهذه خطيئة خطيرة، وسابقه لم تتعرف عليها البشرية من قبل إلا من سفه نفسه وأتبع هواه.
عرفت الأمة العربية بمبادئها الرصينة وعقليتها المجيدة وشخصيتها القوامة على الطريق المستقيم، فلم تظهر أي فلسفة على أرض العرب بالبته ولم يتجرأ أيا كان على الكلام بها، ولهذا السبب كانت أمة العرب تعرف بالعقل الرشيد ، كانت مبادئهم وحضارتهم البدوية مقتبسه أكثرها من كتب السماء فنجد تلاحق الأنبياء والرسل على أرض العرب ساعد على نشوء ثقافات سليمة المبادئ قويمة ورصينة الأخلاق، ولم نسمع من هنا أو هناك ظهور فلاسفة على أرض العرب بالبته إلا بعد استقرار الدين الإسلامي وبناء دولته الشامخة.
وهذا السبب جعل أمة العرب أمة رصينة ذات أمتداد سماوي مطلق، واستمد شعبها من تلك المبادئ أخلاقه وسلوكياته المعروفة بالأتزان ورجاحة العقل.
وعرفت باقي الأمم بتمردها على ذاتها ونقض عهدها ورعونية حالها حتى وصل بهم الحال في تسفيه مبادئهم وعهودهم لأنها فكر إنساني لا يقوى على العيش أكثر من مئة عام بالمجمل . ونجد في ذلك ثغره عميقة في الثقافات الغربية على رأس كل حقبة ، فيبدأ فلاسفتها بكتابة نصوص جديدة وانحدار الأخلاق والمبادئ بتلك الكتابات السخيفة التي لا يقبلها عقل راشد ولا أمة ذات قيم وأخلاق.
فمن هنا يمكن القول لا يمكنك التعجب من ثقافة بائسة صنعت من يد إنسان بائس أراد حمل أمته على مبدأ التوحد والتجمع ضد قوى ما، وترك جميع مقومات الإنسان بلا رصيد أو سد منيع ؛ فنجد ثقافة الغرب تتغير حسب متطلبات الحياة الأجتماعية في أمتهم، ولنضرب مثالا على ذلك في الحرب العالمية الأولى بعد أن نشأت الحرب وأخذ لهيبها لجميع بلدان العالم وتوقفت الحرب فمن تضرر من الدول الأوربية مثل ألمانيا قامت على نهج التجمع وترك ما حوله من قيم رصينة للمجتمع بل حررت المجتمع من قيود تمد لأصالته الحضارية الدينية ، واعتمدت على مبدأ التجمع والتوحد ضد أعدائها؛ فقامت جمعيات ونقابات وحقوق واحزاب ونجحت في ذلك الفكر لتوحيد المجتمع وفقدت باقي المقوماته، وتحرره من السمة الإنسانية ألا وهي الدينية؛ فالتزم الناس الصمت أمام صرخات الكنيسة المعتدلة حتى استسلمت لتلك القوى واصبح المجتمع الألماني رهينة بيد الفلاسفة .
وبعد الحرب العالمية الثانية خسرت ألمانية الحرب ودخلت روسيا وفعلت فعلتها القبيحة كأي محتل عند دخوله لأرض عدوه فمزق المجتمع الألماني أربا، وضاعت قيمه . وفي فترة وجيزة لا تكاد تخرج من ثلاث عقود، حتى استعادت ألمانية ثقتها وقوتها ولكن هذه المرة الفلسفة التي نشأت عليها لم تكن لتوحيد المجتمع الألماني وإنما لإستعادة الثقة بنفسه، وزادت تحرره من جميع القيود الإنسانية والدينية على حد سواء ، فمثلا ظاهرة الأنتحار لديهم ظاهرة جدا طبيعية ، وظاهرة الأغتصاب ظاهرة اصبحت من العادات في المجتمع الألماني، أما ظاهرة عدم الإيمان بالله فهي ظاهرة اجتماعية، وظاهرة النصب والأحتيال فهي من اختصاص الإنسان الذكي، …الخ أما ما نجحت فيه ألمانية في ثقة النفس بوطنه ووجوده على أرضها فكانت خطوتها الأولى في استعادت الإنسان وكان الإنسان في ألمانيا يثق بلسانه لا بالعقود والورق، ثق بصدقه في العمل ولا تثق بمشاعره، ثق بحديثه ولا تثق بما يكتبه، لا تثق بما يخبرك عن نفسه لأنه يشعر أنت أقل منه وجودا، لا تثق بإنسانيته نحو أخوه الإنسان من باقي الأمم ولكن فيك تصدقه في مشاعره أن قورنت مع شخص ألماني وأخر من غير جنسية ، …الخ
فلاسفة الغرب يستطيعون جمع شعوبهم من طرف واحد ولا يستطيعون جمع شمل أمتهم، ولهذا السبب لا يجوز الأطلاع على ثقافتهم ودرس كتبهم الإجتماعية أو فكرها.
قلنا عن ثقافتنا العربية هي مستمدة قواعدها واسسها من السماء، وما كان الله ليضيع أمة انشأت ثقافتها على دينه السماوي، فهي شامله للإنسان وجماعته والأمة بأكملها تامة مكتملة من جميع النواحي.
ومن هنا نستطيع القول ما أن دخلت كتب ثقافات الأعاجم أو فلسفتهم أو دروسهم في علم النفس على مجتمع إسلامي إلا وافسدته وجعلت أعزة أهله أذلاء؛ فتخيل تلك المصيبة الآفة تدخل على مجتمع مستمد قيمته من السماء وأخرى بالضد مستمدة قوتها من فكر إنسان فما أن اتبعه الإنسان إلا واشتغل قرينه ( القرين هو العقل المضل يستمد نشاطه من الغدة الواقعة في منتصف الرأس مسيطرة على حالته النفسية ) بضرب جميع الأفكار السليمة بأخرى فاسدة ممزوجة بالخبث قال تعالى ( اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) وهنا وقعت الواقعة ستصبح إنسانا ذو فكر لا يتقبل الرأي السماوي مهما جئته بالحجج والبراهين وهذا الوليد بن المغيرة ابلغ بلغاء العرب وأكثرهم معرفة بعلوم اللغة وأكثرهم شغل نفسه بالعبادات الوضعية من فكر الإنسان عندما جلس يسمع القرآن الكريم من خلف الجدار فقال معترفا بقوة بلاغته وعظمة كلامه وحلاوة منطقه ويعلى الكلام ولا يعلى عليه ولكنه لم يتقبله قط لماذا لأن القرين إذا عمل بعقل الإنسان تركه جثة هامدة ، ونحن نعيب على أوربا ونعلم إنهم جثة هامدة ومثقفينا وفلاسفتنا يطلبون دائما من الناس بأتباعهم ، وأفضلهم حديثا بإن نتبع أحسن ما لديهم ؛ ولكنه نسي حظا مما ذكر به ألا وهو القرآن الكريم قوتنا وملاذنا الآمن، فكان من واجب موعظينا بالقول سنخرج من كتاب الله خيرا من فلسفتهم ومواعظهم التي لا تغني من جوع .
أراه مدخل لعلم الأجتماع لمن يريد أن ينهض بالأمة العربية الأسلامية ، وشواهد كلامي ما سبق من حضارات سقطت بسبب دخول كتب فلاسفة الأعاجم على الأمة الأسلامية فتركتها جثة هامدة .
الباحث محمد عبد الكريم الدليمي
Discussion about this post