في البدء كانت طيف خيال وحلما رومانسيا مغريا ذاك المارد الجميل الذي أيقظ (مي زيادة) لتكتب بصحوها القصير نهايتها الفارهة.هكذا صحت أحرف الكتابة بداخلي في نعيم من الرعب والاختيار والدهشة كبديل حياتي في حضرة الطفولي والمبتذل والمرفوض.ماعرفت نفسي أول ما اكتشفتها الا من خلال تذبيج كلمات عبرها أنفتح كمحارة لا تستشعر الخوف وتنكفئ على خلاصها الذاتي .فأجدني قيد الطاعة وتخترقني اللغة بجمالاتها حتى القلب في هيبتها وتوهجها ويسومني يباس الواقع وعذاباتي بهاجسها فاتواطا مع الحروف على رفع الغطاء عن بئر ماذء الذات علني أراى صفحة من حروفي في قعر الماء.من هنا كانت الاحرف في البدء رومانسية من قلم تلميذة في مرحلة التعليم الابتدائي تتاما وتتخيل ولها الحق في سحر الكلمة على ايقاع فصول الأزمنة في المجهول الجميل المتواري خلف سحر اللغة الأدبية.فكان الحلم بين الدهشة والاحتراق والغواية وأشواق لا تنطفئ الا باقتناص الجميل في الكلمة .كانت أشعار (بودلير) و(السياب)و (احمد شوقي) و(الشابي)تستعر لها لوعتي بجمالاتها وحتى اسئلتها وهوسها ورؤياها للكون والانسان.وكنت أنا المريدة الصغيرة على العتبة أحشو دفاتري المدرسية أزهارا من جمال اللغة تماما كما حشوت كتاباتي الأولى بمزهريات وأنا أعيد النظرفيما بعد فيما كتبت وأنا اذا في كمال الرشد كنت منشطرة بين هيبة الثقة ورعب المحاولة الأولى وأتذكر الان جيدا كيف احرقت كلمات زهرية فيها بعض من الشعر ثم عملا سرديا مطولا أحرقته في مذفأة البيت سنة (1993) دون أن ادري السبب ؛ وكنت خلالها انشر بعض كتاباتي الشعرية والقصصية في بعض الجرائد والمجلات الوطنية.أتذكر بألم قاتم ومخاض روحي عميق كيف بدأت الكتابة وكيف كان الحرف عصيا عنيدا متنمرا أروضه بهذوء فادبجه زهرة شمسية ثم استوى ماء بلوريا ورملا مثخنا بايقاع جمل وكلمات كانت تجعلني في حضرة الزهو وأنا في فصول اللغة العربية تحيط بي غبطة بعض زميلاتي الصغيرات وهن يرمقن معلمنا في مادة اللغة العربية يجلسني اثناء حصص مادة الانشاء في المقعد الخلفي وحيدة حتى لا تضيع مني تيجان المقدمات الذهبية والخواتم المرصعة فتقع بين أيديهن الصغيرة.كان يقترح علي على مسمعهن على ما أذكر مجالسة وحدتي أثناء الكتابة في المنزل رفقة كأس حليب ذافئ منقوع بحبة قرنفل وأنا اذيج انشاءاتي .أنا ممتنة لمعلمي هذا رحمه الله أو أذكره الله بخيران كان لايزال على قيد الحياة في مراكش الساحرةوالحقيقة اني ماذقت يوما طعم الحليب بالقرنفل وأنا أكتب لكني كنت أنتشي على الدوام باكتشافي لجزر الدهشة التي كانت مرتعي .في الرحلة الأولى بدأت الكتابة كشأن ذاتي كقميصي السفلي الذي ضاق على استدارة رئتي .أكتبه شعرا والحقيقة أنه كان فقط أعشابا برية .وتعلمت مع الايام أن أدرب نفسي على الجلوس طويلا لأنحت الصخر بروية قبل أن اتسلق سور فعل الكتابة لأرنو الى مكر الكتابة العذب وأنا حينها طالبة في الجامعة والتي لم اكتب فيها سوى كلمات شعرية تغلي ببعض فورة مرحلة الشباب وأنا تحت رقابة والدي الشاعر الراحل أحد اعلام مراكش محذرا اياي من ركوب متن الجموح في زمن كانت فيه الجامعة مرتع تكوين ثقافي وايديولوجي مشحون باسئلة الواقع العربي.بعدها كان الصمت وكان العوض في قراءة أشعار والدي التي كانت قصائد عمودية وطنية وقومية عربية شامخة .صحيح أني كنت وانا اتأملهاأشعر اني في هيبة (المتنبي) و(شوقي) امير الشعراء والبحتري بائع البذنجان الذي رفعه الشعر الى مقام الشاعر الرسمي للدولة العباسية.وكان عزف والدي على العود للكلثوميات وقطع الموسيقار محمد عبد الوهاب في فضاءبيتنا مرتعا لتوافد رجالات الشعر والفن الاصيل والمثقفين من اصدقائه أمثال الشاعر بلحاج آيت وارهام اطال الله عمره والشاعر مولاي ابراهيم الحاري رحمة الله عليه .لم يكن قبول حلية الصمت أما جريان خصص الشعر الاصيل ووتر العود واردا اطلاقا ففي الخفاء ارتل لملاك الشعر ان يجود علي ببعض الجميل من الحروف الغرة .فأحملها في الصباح وقد اكون مانمت اطلاقا الى زميلاتي وزملائي لاقرأها عليهن تلبية لطلبهن خجولة أو ادعها في ركن من البيت كعروس اعتادت اختطافها ليلة عرسها .وقد كنت أحملها أحيانا الى معلمي. فقراءة كتاباتي على والدي وان كان يستحسنها على الاغلب كانت ترديني كائنة مرتبكة كطفلة ضبطت تقترف ذنبا لم تقترفه قصدا لكن عليها أن تدافع عن نفسها لغير سبب والحال أن والدي الشاعر رحمه الله كان يراهن على ان بدء الكتابة ومنتهاها القصيدة العربية الهيفاء الكاملة الاوصاف فهي عروس اللغة العربية وأجلى معاني أسطورة العرب .وتيمنا بالشعر أسمى احدي اخواتي (ولادة) اعجابا منه بشعر ولادة بنت المستكفي أيقونة الشعر الاندلسي.
يتبع
مقال نشر بجريدة =(المنعطف ) -ملف=( المرأة والكتابة )
Discussion about this post