بقلم الكاتب الصحفي
سعيد الخولى …
كلما حلت ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 وأذيع بيان الثورة بصوت الرئيس الراحل أنور السادات الرخيم المعبر صاحب القدرات الأدائية العالية ـ لفت انتباهى من بيان الثورة جملة “قمنا بتطهير أنفسنا” ولم أعد فى الحقيقة ألقى بالا لبقية البيان رغم فخامة التعبيرات وسمو الأهداف والاتفاق على مطلب شعبى لم تكتمل معالم تنفيذه بعدها.
فعلا كل ثورة بحاجة ماسة ممن يقودونها لتطهير أنفسهم ونذرها للهدف الأسمى من تلك الثورة.
وعلى التوازى منها تطهير المجتمع أيضا لنفسه بنفسه؛أما المعوزون المحتاجون فأمرهم ليس بأيديهم والمفروض أن الثورة قامت لنصرتهم ونجدتهم وإعادة بعض حقوقهم السليبة وليس مطلوبا منهم سوى دعم تلك الثورة وحمايتها.ويبقى السادة الذين بسببهم تقوم الثورات والطبقات الطفيلية النامية على فيض وكرم اولئك السادة المفسدين ـ يبقون السوس الذى ينخر فى عظام أى ثورة تشرئب بأهلها نحو النور باحثة لهم عن نسمة هواء فى العالم الجد ، ولكن هيهات فالسادة المفسدون يحكمون إغلاق المنافذ وخنق كل برعم جديد ينتظر الإزهار.
التطهير الذاتى والضمير المجتمعى والإرادة الحاكمة والقانون النافذ الرادع إذاً هى الضمانات اللازمة لنجاح أى مشروع إصلاح مجتمعى يستهدف الطبقات الأولى بالرعاية.
الأرقام لبند واحد من بنود إيرادات الدولة السيادية كفيلة بالإجابة ؛ذلك هو بند الضرائب الكاشف للضمير المجتمعى والتطهير الذاتى والقانون الرادع النافذ على الجميع،فالمفروض أن تشكل الضرائب من 23 إلى25% من الناتج المحلى حسب النسبة العالمية بينما تقول الأرقام حسب بيانات مصلحة الضرائب المصرية إنها تبلغ حوالى 13.5% ،بينما الباقى الضائع يمثل عجزا نتيجة تهرب فئات المجتمع الأعلى دخلا ونهبا لمقدرات الفقراء ، الفئة الوحيدة التى لا تتهرب ـ رغما عنها ـ هى فئة الموظفين الذين تحصل الدولة على ضرائيهم من المنبع أى مرتباتهم التى تتحكم الدولة فيها, أما نجوم الفن الذين يغنون ليل نهار ويتظاهرون بحب مصر فيقدمون إقرارات ضريبية فيها أرقام حقيقية ومعها فواتير مصاريف للأزياء وخلافه توازى 90%من الأجور لتحاسبهم الدولة على 10% فقط كما يقول رجال الضرائب أنفسهم ، وهم يعرفون أنهم يستغفلون الدولة ثم يدعون حبها وامتلاكهم ضميرا حيا ثم يقودون حملات التبرعات لمستشفيات علاج المعدمين ومعها حملات شركات الاتصالات لقاء ملايين الجنيهات،ناهيك عن إعلانات الكمباوندات والمنتجعات ذات الأرقام الستة ثمنا لأى وحدة فيها، ثم يأتى دور نجوم الكرة ليتكرر السيناريو بشكل ثان ونجوم الإعلام المرئى والمقروء والمسموع والإلكترونى ممن يسممون أفكار الناس ويشيعون الفوضى ليكرروا السيناريو بشكل ثالث، ثم نجوم المحاماة والطب والهندسة وحيتان الدروس الخصوصية والمهن الحرة ليتكرر السيناريو بشكل رابع وخامس وعاشر وبمساعدة خبراء التقدير والتحصيل الذين نكتشف فى النهاية أن بعضهم هم مهندسو التهرب لكبار الممولين وكبار مستشاريهم من تحت لتحت.
نجوم المجتمع يتفننون فى التهرب ويقف الضمير بهم على حافة الإفلاس الخلقى لكن يبقى دور القانون الرادع النافذ غائبا عن إفاقة ضمائرهم والأهم أفاقة الاقتصاد وإقالته من عثرته بمبلغ من بند واحد يمثل التهرب المجرم فيه ما يوازى قرابة الدعم الحكومى للسلع وبند الأجور أو على الأقل قرض الصندوق المشئوم زائد بند الأجور..هذا بند واحد يكشف مدى تطهير النفس فى مرحلة بناء جديد للكثير من المقومات المحتاجة لإعادة بناء فضلا عن الظروف العالمية التى تلقى بظلالها على رغيف الخبز وقطعة اللحم والسمكة في البحر أو النهر .ولا عزاء لباقى البنود ذات الحاجة الماسة للتطهير الذاتى والتنفيذ القسرى بالقانون لنكمل مسيرتنا بالفعل نحو عالم جديد ومكان متميز يستحقه هذا الوطن.
Discussion about this post