كان لي شرف تقديم مجموعة هاجرة ليل..
مبارك للصديقة نجوى العريبي اصدارها البكر..
تجدونه بمكتبة الكتاب / مكتبة برشلونة بتونس
ا=======وهذا نصه ======
البنى الحكائية بمجموعة هاجرة ليل للقاصة نجوى العريبي..
ا=========================
تصدير
ا=========
“إن الاقصوصة ليست جنسا أدبيا صغيرا، بل هى فن ينزع الى ان يكون أكثر الأشكال السردية رقيا فنيا.”
(جورج لوكاش)
ا=========
مقدمة.
ا=========
نجوى العريبي النسّاجة المبهرة تمسك بكل خيوط السرد بمجموعتها المدهشة..
تغمرك الدهشة والإثارة مع القاصة نجوى العريبي حين تقرأ نصوصها القصصية فأنت امام فن يعمد الى مباغتة المتلقى ويدخله الى دهاليز المعنى معتمدا الايجاز والتركيز حين اختيارها لعيّنات من السرد منتقاة.. تصديقا للقائل (القصة القصيرة جنس قائم بذاته، مستقل بمكوناته، قادرا على تصوير ما لا تقدر على تصويره أجناس اخرى..)
انها تجعل القارئ ينظر من نوافذ تطل على الفن القصصي من حقول ومجالات هي الانشاء والتخييل والتجديد..
إن فن القصة عند نجوى العريبي هو حفر بايقاع الكتابة نصها فائق الصوغ مسكون بأسئلة الهامش لكنه فن يظل تحت طائلة التأويل والتفكيك (interprétation) بما هو سياق تأويل وفحص لقضايا المعنى والقيمة اي بما هو لفظ مستوحى من الهرمينوطيقا (herméneutique) على اعتبارها نظرية فى فهم وتحليل النصوص اى بمعنى ما تكتب نجوى العريبي نصها بطريقة مخصوصة :(ما يجعل من أثر ما ؛اثرا أدبيا ).
فالاقصوصة عند نجوى العريبي فن بالتاويل وما هى الا فن قراءة العلامة بمختلف ضروبها النصية من أجل القفز على المعنى المحتجب وايضاحه وتقويم مدلوله .
القارئ يجد بقصصها تشويقا يقطع الانفاس فنجوى العريبي تغرق قارئها في تفاصيل لوحات زخرفية وموتيفات تزين متنها النصي..
ان القارئ الحاضر بالنص يلمس فواعل وشخصيات من اليومي واحداثا واقعية قد تشكلت من البنية والخطاب والايقاع والدلالة ومعالم السردية والسرد فأنت تراها تلجأ الى تحطيم الزمن بالعودة به الى الوراء (فلاش باك )وظيفيا حينا، وحينا آخر تقفز بالزمن الى الامام عبر الباراسيكولوجى اذ تصبح اللغة علائمية اشارية سواء فى جمل تتكئ على الوصف او سردية ترفد الصورة الذهنية او المرئية .
اما ما يميز قصصها ذلك التنويع البهيج على طريقة يوسف ادريس في بناء الحكاية وعلى طريقة موباسان في التقاط اللحظة الحاسمة واللقطة المبهرة..
تبني نجوى العريبي قصصها كالأهرامات انها تضيف لصرح السرد العربي احجارا وأعمدة ولبناتٍ نعدها بتقديرنا اضافة نوعية لفن القص..
اولا – أعمدة الحكائية
ا=============
ما تتميز به قصص نجوى العريبي انها تحقق الحكائية فى الكلام – بأي كلام تنثره – من خلال انبناء الفعل والحدث على قابليته على ان يحكى حينا وحينا على بروز الفاعل او العامل حين يضطلع بدور الانفتاح على انجاز الفعل..
اما ما يزيد الاثارةبقصصها ويحقق ذلك التوتر السردي المطلوب اعتمادها على زمان الفعل حين تسعى القاصة الى تفتتيت أحجار المكان والفضاء .
ا=================
ثانيا – السردية والسرد ( Narration )
ا====================
ان قصص نجوى العريبي عبارة عن جماع بين علم السرد بما هو فرع من اصل كبير هو الشعرية (poetics ) وبين ذلك الفعل الذي يقوم به الرواى حين ينتج قصة وهو بذلك عرض لحدث او متوالية من الاحداث حقيقية كانت او خيالية لكنها تبسط باللغة وفى اللغة..
انها قصص تفوق حكائيتها تلك السردية التي تبحث فى مكونات البنية السردية للخطاب من راوٍ، ومروٍ له، او عليه لتصير نسيجا قوامه تفاعل تلك المظاهر الخطابية اسلوبا ودلالة وبناء.
ا=================
ثالثا ايقاع السرد .
ا==========
إن الحديث عن ابداع مجموعة قصص الاستاذة نجوى العريبي تفتح طريقا جديدا لها بالايقاع عظيما انها تفتت الزمن القصصى عبر المقاطع النصية مما يوهم القارئ والدارس انها تجعلنا نسبح في عوالم السرد والسردية والحكاية والحكائية والبنية على ايقاع جديد مستحدث انها تخلق سرعة النص بالايقاع وتوجد الموسيقى النصية من خلال تتالي مقاطع السرد وقضوية المرجع او ماعبر عنه جيرار جنيت( بسرعة النص اذ يصنفها تحت حركاته الاربع)
فتارة تستعمل تقنية الحذف الزمنى حين تغفل ذكر فترة من زمن الحكاية وتلجأ الى عملية الحذف لتلك الأحداث التى تعد غير ضرورية لسيرورة وسير القص او فهمه وهذا لعمري ايقاع نعده مستحدثا بقصصها..
وتارة اخرى تلتجئ القاصة الى تقنية الخلاصة بهدف ايقاعي مستحدث لتسريع وتيرة السرد. نرى القاصة نجوى العريبي كثيرا ما تلجأ حين تتعرض لصعوبة سرد احداث الايام وفواعلها بشكل متسلسل دقيق نراها تقفز على الاحداث وتختار من الاحداث والفواعل مايستحق ان يروى.
انظر قولها ( إن أسعفني الحظ سأدفع للصيدلي تسبقة لعلبة دواء والدي،ولن آخذها نسيئة “.) بقصتها المعنونة ب()
وفي أحيان اخرى تعمد القاصة على حذف احداث لتمر مباشرة لما يستحق ان يروى فأملت الجمل متتالية انظر قولها بالقصة :(ابتسم باسم ابتسامة عريضة،عندما رفرفت في ذهنه تلك الأفكار )
ويبلغ الحذف والايجاز اقصاه موظفا توظيفا واعيا حتى تصير غاية الحذف ان يفهم القارئ تلك التحولات الزمنية والفترات التى تتطرأ على سير الاحداث والحكائية..
..تبني الاستاذة القاصة نجوى العريبي مجموعتها الاقصوصية تحديثا وتحبيكا على ما آخر ما وصلت اليه الدرايات النقدية الحديثة..
فكانت البداية السريعة والنهاية المفاجئة المتوترة، مما اوجد وحدة الزمان والمكان والشخصية وأعطى للمجموعة القصصية وحدة الانطباع والاثر ؛حين الاقتصاد بالكلام، والتركيز والايحاء ولعل خاصية القص المجمل والسرد المؤلف هو الذى انضج القصة، ورفع التأليف والتلخيص والتسريع والابطاء من سرعة سردها ،وإحداث ايقاع نثر شعرى مخصوص..
Discussion about this post