الكبير عبد الرحمن آل رشي .. تحية وفاء لروحك .
7 / 9 / 1932 – 12 / 4 / 2014
عاد ووقف على متن خشبة المسرح قبل بضع سنوات من رحيله يوم 12 / 4 / 2014 في عرض من النوع المونو دراما بعنوان ( شيترا ) عن نص لطاغور ، يروي الحكاية الشائقة كعاشق يقف للمرة الأولى على الخشبة.. مطلقاً دفء نبراته الصوتية المتواترة كهدير البحر في مختلف حالاته بين الغضب والحنين .. الترنيم والحكمة .. القوة والحزم .. الجواب والقرار .. فاستحق التصفيق لدقائق والجمهور واقفاً تحية لفنان كبير يعتبر أنموذجاً نادراً لفن أداء الممثل المسرحي .. ولم أكن أصدق نفسي أنه روى لي على فنجان قهوة ذات المسرحية وبذات النبرة بجلستنا الصباحية في مديرية الإنتاج التلفزيوني – الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون – وأنا الذي أعرف جيداً لسنوات طويلة وفي كل يوم ألتقي به أقرأ بريقاً نادراً في عينيه .. أنتعش بضحكته المجلجلة المتفائلة والمدافعة عن آلام كثيرين ممن احتاجوا جلسات الدعابة والمرح التي اتسمت بها شخصيته المحببة لدى الجمع ، بل والصارمة والجادة حتى في روايته للفصول المضحكة وما أكثر تلك التي حفظها كحفظه لمئات وربما ألاف أبيات قصائد الشعر العربي والأقوال والحكم والمأثورات التي تستحق الرواية بنكهة أدائه الاستثنائي جذباً وتأثيراً …… وكنت دائماً متيقناً أنني أصغي له وأستمتع ليس وحسب بالفصول والطرف المتكررة التي يرويها بأدائه الساحر ونبرة صوته الرنانة ، بل بقوة صدقه النادر .. حكمته الواثقة الصارمة .. ذلك هو سر حضوره الآسر الذي لم ينافسه عليه أحد من أهل الفن طوال حياته ..
ولمن عرفته أباً في الحياة ، وأباً لشخصيتي الدرامية في آخر مسلسل كتبته ( زمن الحيتان ) في حين كان يبث عبر أثير إذاعة دمشق وحتى رحيله مسلسل كتبته ليكون من بطولته ( هيلا يا بحر ) ، وأيضاً أباً لي في مسلسل ( شواطئ الوفاء ) الذي لم يكتمل تصويره ، كان دائماً يشبه ذاته بكل شيء ولا يشبهه أحد كتلك الشخصية التي كان لي الشرف أن أكون إلى جانبه في فيلم ( الجد ) .. لمن صنع قوة فنه بصراحته وجرأته وضحكته التي تخفي دائماً القسوة في ملامح وتقاسيم وجهه ونظراته .. لمن عاش عمره مخلصاً لانتمائه الوطني فشدا بصوته أجمل أغاني الوطن .. الرجل الذي انتظرت مترقباً إشراقة صباحاته شبه اليومية في الإذاعة والتلفزيون الفنان الكبير عبد الرحمن آل رشي تحية وفاء لمسيرة إبداعه ولروحه الذكية الطاهرة .
*****
ولد الفنان الكبير الراحل عبد الرحمن آل رشي في دمشق في 7 / 9 / 1932 وهو أحد أبرز عمالقة الفنانين السوريين خلال مسيرة حافلة بالأعمال الهامة في السينما والإذاعة التلفزيون وحتى المسرح .. كما يعتبر أحد أبرز مؤسسي نقابة الفنانين ، عاش حياته يتغنى بكل ما هو جميل .. مما جعله دائماً يسعى إلى الأجمل الذي لا ينسى ، وبهذا الصدد نذكر أنه حفظ في حياته أكثر من ألف بيت شعر لم ينساهم أبداً وما حفظه من مخزون كان يعتبره الزاد الذي يمتعه كثيراً في حياته وخاصة أنه لم يصل في مراحل التعليم سوى للسترفيكا ” سنة 1944 ” ، ومع دخوله عالم الفن – النادي الشرقي للتمثيل والموسيقا – عام 1955 كانت البداية من القاهرة وعلى مسرح الأزبكية بمسرحية ” لولا النساء ” مع الفنان الراحل نهاد قلعي وآخرين وهي من تأليف سامي جانو وإخراج سعيد النابلسي ، وقد جد أن أعضاء النادي يتفوقون عليه في اللغة والأداء والقراءة .. ولأنه عاشق للفن فرض عليه أن يعود ويقرأ من جديد ويحفظ المواضيع والشعر والقصص ، كما أن معظم أعماله له محفوظات منها. والجدير بذكره أن الإذاعة لها الفضل الأكبر في تحسين لعبة الأداء عنده ، وهي التي أطلقت موهبته وكان منها أجراً شجعه على البحث والتعلم بجدية أكبر ، وكما يقال لكل مجتهد نصيب ، كما أنه لم يعتبر يوماُ الفن حرفة بل هواية .. إذ يقول : عندما تصل إلى الحرفة تتوقف عن التعلم ، والفن من وجهة نظره ليس له قفلة أو نهاية ، وليس هناك تقاعد في الفن لذلك أكد مراراً :أنه لم يختم المهنة بعد . كما لا يعتقد أن مسيرة إبداع أي فنان حقيقي تتوقف أبداً .. كما يرى أن المعادلة التي تصنع الفنان الناجح .. هي الحب .. حبه لمهنته .. ومن دون الحب يبقى الفنان أجيراً .. وبالحب يصبح معلماً وينجح .
سافر إلى ألمانيا بين عام 1963 1967 ، ثم عاد ليكمل مشواره الفني والذي بدأه منذ أيام الأسود والأبيض إلى الملون مجسداً مختلف الشخصيات الدرامية بين التاريخي والاجتماعي والبيئي وحتى الكوميدي ، نذكر منها : أول أعماله في مسلسل ” بياع الحلوين ” ثم توالت الأعمال ومنها مذكرات حرامي وحارة القصر والمسلسل البدوي ” رأس غليص ” الذي حقق له شهرة واسعة في العالم العربي وهو من إخراج علاء الدين كوكش..
كما شارك في مسلسل قمر الشام الذي تابعتاه في العام الماضي .. ومسلسل على موج البحر الذي انتهى عرضه على قناة سورية دراما قبل أيام من رحيله .. وأيضاً مسلسل في حضرة الغياب ، رجال العز ( رجالك يا شام ) ، القعقاع بن عمرو التميمي ، الدبور ، الشام العدية ‘ علي موج البحر ، أهل الراية ، بيت جدي ، غفلة الايام ، وجه العدالة ، باب الحارة ، الزعيم ، الجمر و الجمار ، جريمة بلا نهاية ، أهل الغرام ، خالد بن الوليد ، شوفونا ، ملوك الطوائف ، الظاهر بيبرس ، أهل المدينة ، أنا وأربع بنات ، طيور الشوك ، أبو الطيب المتنبي ، بيت العز ، هولاكو ، زمان الوصل ، أبيض رمادي أسود ، صلاح الدين الأيوبي ، مقامات بديع الزمان الهمذاني . الخوالي ، اهل و حبايب ، القصر ، أنشودة الأمل ، تاج من شوك ، عطر البحر ، القيد ، الطير ، ياقوت ، جواهر ، العبابيد ، الحيتان ، نهاية رجل شجاع ، مجنون ليلى ، اخوة التراب ، قمر البر والبحر ، سيف الدولة ، الفاتحون ، ساري، السيف، الخنساء ، مذكرات حرامي ، الجد ، موسى بن نصير، كهف المغاريب ، غضب الصحراء الذي جسد فيه شخصية الأزرق والتي حقق من خلالها حضوراً جماهيرياً منقطع النظير .
أما في السينما فيعتبر الفنان الكبير الراحل آل رشي له الحصة الأكبر بين الفنانين ممن شاركوا في أفلام المؤسسة العامة للسينما منذ تأسيسها ، نذكر منها : أولى الأعمال بفيلم سائق الشاحنة ،المطلوب رجل واحد، المخدوعون ، صورة ، حلاوة الروح ، ثلاثية العار ، كفر قاسم ، اليازرلى ، إضافة إلى مشاركاته في بعض أفلام القطاع الخاص ، نذكر منها : الثعلب ، الفخ ، واحد + واحد ، السيد التقدمي .. وغيرها .
Discussion about this post